📘 ❞ السنة والتشريع ❝ كتاب ــ موسى شاهين لاشين اصدار 1991

الدعوة والدفاع عن الإسلام - 📖 ❞ كتاب السنة والتشريع ❝ ــ موسى شاهين لاشين 📖

█ _ موسى شاهين لاشين 1991 حصريا كتاب السنة والتشريع عن الأزهر الشريف 2024 والتشريع: من الدعوة والدفاع الإسلام عنوان الكتاب: والتشريع المؤلف: لاشين حالة الفهرسة: غير مفهرس الناشر: مجلة الأزهر نبذة هدية شهر شعبان 1411 هـ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام سيد المرسلين ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد: فهذا بحث مهم يتعلق بالسنة وأنها الأصل الثاني أصول يجب الأخذ بها والاعتماد عليها إذا صحت رسول الله صلى عليه وسلم فأقول: المعلوم عند جميع أهل العلم أن هي وأن مكانتها الصدارة بعد عز وجل فهي المعتمد بإجماع قاطبة وهي حجة قائمة مستقلة الأمة جحدها أو أنكرها زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط فقد ضل ضلالاً بعيداً وكفر كفراً أكبر وارتد بهذا المقال فإنه وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب ورسوله وأنكر ما أمر به وجحد أصلاً عظيما فرض الرجوع إليه والأخذ إجماع وكذب وجحده وقد أجمع علماء الأصول المجمع ثلاثة: الأصل الأول: والأصل الثاني: سنة الصلاة الثالث: وتنازع أخرى أهمها: القياس والجمهور أصل رابع استوفى شروطه المعتبرة أما السنة: فلا نزاع ولا خلاف أنها مستقل الواجب المسلمين بل والاحتجاج صح السند دل هذا المعنى آيات كثيرات وأحاديث صحيحة كما وجوب والإنكار أعرض خالفها وقد نبغت نابغة صدر أنكرت بسبب تهمتها للصحابة رضي عنهم وأرضاهم كالخوارج فإن الخوارج كفروا كثيراً الصحابة وفسقوا منهم وصاروا لا يعتمدون بزعمهم إلا لسوء ظنهم بأصحاب وتابعتهم الرافضة فقالوا: فيما جاء طريق البيت وما سوى ذلك فيه ونبغت يزال القول يذكر بين وقت وآخر وتسمى هذه النابغة الأخيرة القرآنية ويزعمون أنهم القرآن وأنهم يحتجون يحتج بها؛ لأنها إنما كتبت النبي بمدة طويلة ولأن الإنسان ينسى يغلط الكتب يقع فيها غلط مما قالوا الترهات والخرافات والآراء الفاسدة وزعموا بذلك يحتاطون لدينهم يأخذون ضلوا سواء السبيل وكذبوا وكفروا بواحاً فإن بطاعة رسوله واتباع وسمى كلامه وحيا قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى[1] ولو كان يتبع يطاع لم يكن لأوامره ونواهيه قيمة تبلغ سنته فكان خطب فدل واجبة الاتباع وعلى طاعته تجب طاعة تدبر العظيم وجد واضحا؛ قال تعالى كتابه الكريم سورة آل عمران: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[2]؛ فقرن الرسول بطاعته سبحانه وقال تُرْحَمُونَ؛ فعلق الرحمة أيضا قُلْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَطِيعُوا فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ[3] النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[4] فأمر وطاعة أمرا مستقلا وكرر الفعل ذلك: ثمَّ قال: ولم يكرر الفعل؛ لأن أولي الأمر تابعة لطاعة وإنما المعروف حيث أمروا ومما يخالف ثم العمدة فقال: يقل منكم الرد مسائل النزاع والخلاف ولرسوله قال العلماء معنى (إلى الله): ومعنى (والرسول) حياته وإلى وفاته فعلم متبع جل وعلا: مَنْ يُطِعِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[5] سبحانه: النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[6] وقبلها فَالَّذِينَ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[7] فجعل الفلاح لمن اتبعه والسلام؛ السياق والسلام: الْمُفْلِحُونَ فذكر لهؤلاء المتبعين لنبي دون غيرهم أنكر يتبعه ليس بمفلح وليس المفلحين بعدها: يعني قل يا محمد: جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ يُؤْمِنُ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ تَهْتَدُونَ[8] الهداية باتباعه الكتاب والسنة أخرى: فَإِنَّمَا عَلَيْهِ حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا عَلَى الرَّسُولِ الْبَلاغُ الْمُبِينُ[9] وعلا السورة النور : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ تُرْحَمُونَ[10] فأفرد وحدها بقوله: تُرْحَمُونَ آخر فَلْيَحْذَرِ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[11] المخالف لأمر خطر عظيم تصيبه فتنة بالزيغ والشرك والضلال عذاب أليم نعوذ بالله الحشر: آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا إِنَّ شَدِيدُ الْعِقَابِ[12] فهذه الآيات معناها كلها دالة اتباعه وطاعته والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة فمن إنه وغلط باتباع يعمل بكتاب يؤمن ينفذ إذ وأمر وحذر مخالفته يمكن متبعا للقرآن بدون اتباع للسنة فهما متلازمان ينفك أحدهما الآخر ومما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة عليهما الصحيحين حديث أبي هريرة عنه (من أطاعني أطاع عصاني عصى الأمير عصاني)[13] وفي صحيح (كل أمتي يدخلون الجنة أبى) قيل: يأبى؟ ((من دخل أبى)[14] وهذا واضح عصاه أبى دخول والعياذ المسند وأبي داود وصحيح الحاكم بإسناد جيد المقداد بن معدي كرب الكندي (ألا وإنني أوتيت ومثله معه) والكتاب هو معه يعني: الوحي يوشك رجل شبعان يتكئ أريكته يحدث بحديث حديثي فيقول: بيننا وبينهم وجدنا حلال حللناه حرام حرمناه)[15] لفظ:(يوشك بالأمر أمري أمرت ونهيت يقول: اتبعناه ألا وإن حرم مثل الله)[16] والأحاديث كثيرة فالواجب تعظم تعرف قدرها تأخذ وتسير الشارحة والمفسرة لكتاب والدالة يخفى والمقيدة لما يطلق والمخصصة يعم وتدبر عرف ذلك؛ يقول وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[17] فهو المبين للناس نزل إليهم فإذا كانت معتبرة فكيف يبين دينهم وكتاب ربهم؟! أبطل الباطل قاله وأنه الشارح آية النحل: أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[18] فبين أنزل ليبين اختلفوا تبين تعتمد بطل وتعالى الذي يفصل الناس لازمة وواجبة وليس خاصا بأهل زمانه وصحابته لهم ولمن يجيء بعدهم القيامة الشريعة شريعة لأهل يأتي عامة أَرْسَلْنَاكَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[19] كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا[20] العالم الجن والإنس العرب والعجم الأغنياء والفقراء الحكام والمحكومين الرجال والنساء بعده نبي خاتم الأنبياء والمرسلين فوجب تكون موضحة وشارحة ودالة وسنته جاءت بأحكام يأت شرعها تذكر تفصيل الصلوات وعدد الركعات وتفصيل أحكام الزكاة الرضاع فليس الأمهات والأخوات وجاءت ببقية المحرمات بالرضاع فقال وسلم: (يحرم يحرم النسب)[21] بحكم تحريم الجمع المرأة وعمتها والمرأة وخالتها أشياء الجنايات والديات والنفقات وأحكام الزكوات الصوم والحج ولما بعض مجلس عمران حصين عنهما: (دعنا الحديث وحدثنا لله) غضب وأرضاه واشتد إنكاره وقال: (لولا كيف نعرف الظهر أربع والعصر والعشاء والمغرب ثلاث) آخره فالسنة بينت لنا تفاصيل وتفاصيل الأحكام يزل يرجعون ويتحاكمون إليها ويحتجون ولما ارتد وقام الصديق ودعا جهادهم توقف عمر نقاتلهم (أمرت أقاتل حتى يقولوا: إله قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم بحقها) عنه: (أليست حقها حق والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها لقاتلتهم منعها) [22] (فما عرفت شرح بكر لقتالهم فعرفت الحق) وافق المسلمون ووافق واجتمع رأيهم قتال المرتدين فقاتلوهم بأمر الجدة تسأله إرثها (ما أعلم لك شيئا ولكن سوف أسال الناس) عما فسأل فأخبر قضى لها بالسدس فقضى وهكذا أشكل حكم إملاص المرأة: وهو خروج الجنين ميتا بالجناية أمه حكمه؟ سأل فشهد عنده محمد مسلمة والمغيرة شعبة بأن بغرة عبد أمة عثمان المعتدة الوفاة بيت زوجها تنتقل أهلها؟ فشهدت فريعه بنت مالك الخدرية أخت سعيد أمرها تعتد سمع علي حجاته ينهى المتعة ويأمر بإفراد الحج أحرم بالحج والعمرة جميعا (لا أدع بقول أحد ابن عباس ينكر الفتوى بالمتعة ويحتج وعمر أنهما يريان إفراد (يوشك تنزل عليكم حجارة السماء أقول: وتقولون أبو وعمر) ذكر لأحمد رحمه جماعة يتركون ويذهبون رأي سفيان الثوري ويسألونه لديه وعما تعجب (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون أَلِيمٌ[23]) أيوب السختياني يدعو ويثبط (دعوه ضال) والمقصود السلف الصالح ونبغت عندهم نوابغ الباب فاشتد نكيرهم عليهم وضللوهم وحذروا مع إنكار الإنكار الموجود الأخير؛ لأنه له شبهة بالنسبة اعتقدوه بعضهم هؤلاء المتأخرون فجاءوا بداهية كبرى ومنكر وبلاء كبير ومصيبة عظمى قالوا: إن برمتها بالكلية هنا وطعنوا رواتها كتبها وساروا النهج الوخيم وأعلنه العقيد القذافي الرئيس الليبي فضل وأضل مصر وغير المقالة فضلوا وأضلوا وسموا أنفسهم بالقرآنيين كذبوا وجهلوا قام السنة؛ لأنهم عملوا لعظموا وأخذوا ولكنهم جهلوا وسنة احتاط كثيرا تلقوها أولا حفظاً ودرسوها وحفظوها كاملاً وحفظاً دقيقاً حرفياً ونقلوها ألف رأس القرن الأول أثناء كثر الثالث ألفوا وجمعوا الأحاديث حرصاً بقائها وحفظها وصيانتها فانتقلت الصدور المحفوظة المتداولة المتناقلة التي ريب شك نقبوا وعرفوا ثقاتهم كذابيهم وضعفائهم سيئ الحفظ حرروا أتم تحرير وبينوا يصلح للرواية وأوضحوا وقع أوهام وأغلاط وسجلوها الكذابين والوضاعين وألفوا فيهم أسماءهم فأيد بهم وأقام الحجة وقطع المعذرة وزال تلبيس الملبسين وانكشف ضلال الضالين فبقيت بحمد جلية واضحة غبار وكان الأئمة يعظمون وإذا رأوا أي تساهل إعراض أنكروا حدّث ذات عنهما (ولا تمنعوا إماء مساجد الله)[24] أبنائه: (والله لنمنعهن) اجتهاد منه ومقصوده أنهن تغيرن وأنهن يتساهلن الخروج قصده فأقبل وسبه سبا سيئا (أقول: وتقول: ورأى مغفل المزني أقاربه يخذف له: (إن نهى الخذف (إنه يصيد صيدا ينكأ عدواً) رآه (أقول تخذف كلمتك أبداً) فالصحابة جدا ويحذرون التساهل برأي الآراء الاجتهادات حنيفة ورحمه: (إذا فعلى العين والرأس والرأس) وقال الله: منا راد ومردود صاحب القبر) أيضا: (لن أصلح أولها والسنة) الشافعي رويت حديثا صحيحا رأيتموني خالفته فاعلموا عقلي ذهب) لفظ وقولي يخالفه فاضربوا بقولي الحائط) أحمد تقلدوني تقلدوا مالكا وخذوا أخذنا) وسبق سفيان) أَلِيمٌ[25] فالأمر وكلام جلي ومتداول تكلم المقام كلاما كأبي العباس تيمية وابن القيم كثير وغيرهم زاغ عظم آراء وآثرها وأخطأ عرض مهما عظموا فما شهدا بالقبول قبل يرد قائله كتب الحافظ السيوطي رسالة سماها: "مفتاح الاحتفاء بالسنة" وذكر وزعم كفر إجماعا ونقل كلام منزلة وهذه بنفسها والرجوع متى وجب مطلقا يشترط متواترا مشهورا مستفيضا بعدد كذا الطرق بل يؤخذ واحدة استقام بالحديث بسند واحد بسندين بثلاثة بأكثر سمي خبراً متواتراً خبر آحاد فرق اختلاف تقتضيه الضروري � مجاناً PDF اونلاين الإســلام دين الحق والعدالة أعظم الأثر رفع شان ونثر العدالة المجتمعات البشرية أفضل الأعمال وأجل القربات وجاء الثناء والسنة ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
السنة والتشريع
كتاب

السنة والتشريع

ــ موسى شاهين لاشين

صدر 1991م عن الأزهر الشريف
السنة والتشريع
كتاب

السنة والتشريع

ــ موسى شاهين لاشين

صدر 1991م عن الأزهر الشريف
مميّز
عن كتاب السنة والتشريع:
السنة والتشريع من الدعوة والدفاع عن الإسلام

عنوان الكتاب: السنة والتشريع
المؤلف: موسى شاهين لاشين
حالة الفهرسة: غير مفهرس
الناشر: مجلة الأزهر

نبذة عن الكتاب: - هدية مجلة الأزهر في شهر شعبان 1411 هـ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا بحث مهم يتعلق بالسنة، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام يجب الأخذ بها والاعتماد عليها إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقول: من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله عز وجل، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط فقد ضل ضلالاً بعيداً، وكفر كفراً أكبر، وارتد عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلاً عظيما فرض الله الرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم عليه، وكذب به، وجحده، وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع عليها ثلاثة:

الأصل الأول: كتاب الله.

والأصل الثاني: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

والأصل الثالث: إجماع أهل العلم.

وتنازع أهل العلم في أصول أخرى، أهمها: القياس، والجمهور على أنه أصل رابع إذا استوفى شروطه المعتبرة.

أما السنة: فلا نزاع ولا خلاف في أنها أصل مستقل، وأنها هي الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن الواجب على جميع المسلمين، بل على جميع الأمة الأخذ بها، والاعتماد عليها والاحتجاج بها إذا صح السند عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرات من كتاب الله، وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما دل على هذا المعنى إجماع أهل العلم قاطبة على وجوب الأخذ بها، والإنكار على من أعرض عنها أو خالفها.

وقد نبغت نابغة في صدر الإسلام أنكرت السنة بسبب تهمتها للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كالخوارج فإن الخوارج كفروا كثيراً من الصحابة، وفسقوا كثيراً منهم، وصاروا لا يعتمدون بزعمهم إلا على كتاب الله لسوء ظنهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتابعتهم الرافضة فقالوا: لا حجة إلا فيما جاء من طريق أهل البيت فقط، وما سوى ذلك لا حجة فيه.

ونبغت نابغة بعد ذلك، ولا يزال هذا القول يذكر فيما بين وقت وآخر، وتسمى هذه النابغة الأخيرة القرآنية، ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط، وأن السنة لا يحتج بها؛ لأنها إنما كتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط، إلى غير هذا مما قالوا من الترهات، والخرافات، والآراء الفاسدة، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط، وقد ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً.

فإن الله عز وجل أمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، واتباع ما جاء به، وسمى كلامه وحيا في قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى[1]، ولو كان رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتبع ولا يطاع لم يكن لأوامره ونواهيه قيمة.

وقد أمر صلى الله عليه وسلم أن تبلغ سنته، فكان إذا خطب أمر أن تبلغ السنة، فدل ذلك على أن سنته صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة، كما تجب طاعة الله تجب طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحا؛ قال تعالى في كتابه الكريم في سورة آل عمران: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[2]؛ فقرن طاعة الرسول بطاعته سبحانه، وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ؛ فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله، وقال سبحانه أيضا في سورة آل عمران: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ[3]، وقال سبحانه في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[4]، فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله أمرا مستقلا وكرر الفعل في ذلك: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ثمَّ قال: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولم يكرر الفعل؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وإنما تجب في المعروف حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله ومما لا يخالف أمر الله ورسوله، ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله فقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، ولم يقل إلى أولي الأمر منكم، بل قال: إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فدل ذلك على أن الرد في مسائل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله.

قال العلماء معنى (إلى الله): الرد إلى كتاب الله، ومعنى (والرسول) الرد إلى الرسول في حياته، وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. فعلم بذلك أن سنته مستقلة وأنها أصل متبع، وقال جل وعلا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[5]، وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[6]، وقبلها قوله جل وعلا: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[7]، فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام؛ لأن السياق فيه عليه الصلاة والسلام: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام دون غيرهم، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين، ثم قال بعدها: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ يعني قل يا محمد: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[8]، فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على وجوب طاعته، واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام، وقال عز وجل في آيات أخرى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[9]، وقال جل وعلا أيضا في هذه السورة -سورة النور-: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[10]، فأفرد طاعته وحدها بقوله: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وقال في آخر السورة -سورة النور-: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[11]، فذكر جل وعلا أن المخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم على خطر عظيم من أن تصيبه فتنة بالزيغ والشرك والضلال أو عذاب أليم، نعوذ بالله من ذلك، وقال عز وجل في سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[12].

فهذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال: إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر، فإن القرآن أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله ولم يؤمن بكتاب الله، ولم ينفذ كتاب الله، إذ كتاب الله أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر باتباعه، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعا للقرآن بدون اتباع السنة، ولا يكون متبعا للسنة بدون اتباع القرآن، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

ومما جاء في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني)[13]، وفي صحيح البخاري رحمة الله عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)[14].

وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة والعياذ بالله، وفي المسند وأبي داود وصحيح الحاكم بإسناد جيد عن المقداد بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإنني أوتيت الكتاب ومثله معه)، والكتاب هو القرآن، ومثله معه يعني: السنة وهي الوحي الثاني: (ألا يوشك رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينهم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال حللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه)[15]، وفي لفظ:(يوشك رجل شبعان على أريكته يحدث بالأمر من أمري مما أمرت به ونهيت عنه يقول: بيننا وبينهم كتاب الله ما وجدنا فيه اتبعناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله)[16]، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها، وتسير عليها، فهي الشارحة والمفسرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والمخصصة لما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك؛ لأن الله يقول جل وعلا: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[17]، فهو المبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟! هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه المبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله، وقال في آية أخرى في سورة النحل: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[18]، فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل ذلك على أن سنته لازمة الاتباع، وواجبة الاتباع.

وليس هذا خاصا بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لأهل زمانه ولمن يأتي بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فهو رسول الله إلى الناس عامة، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[19]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا[20]، فهو رسول الله إلى جميع العالم الجن والإنس، العرب والعجم، الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين، الرجال والنساء إلى يوم القيامة، ليس بعده نبي ولا رسول، بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام.

فوجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة لكتاب الله، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله، وسنته أيضا جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل لم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى، من ذلك: تفصيل الصلوات وعدد الركعات، وتفصيل أحكام الزكاة، وتفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع، وجاءت السنة ببقية المحرمات بالرضاع، فقال صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)[21]، وجاءت السنة بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة، في الجنايات والديات، والنفقات، وأحكام الزكوات، وأحكام الصوم والحج إلى غير ذلك.

ولما قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين رضي الله عنهما: (دعنا من الحديث وحدثنا عن كتاب لله) غضب عمران رضي الله عنه وأرضاه، واشتد إنكاره عليه، وقال: (لولا السنة كيف نعرف أن الظهر أربع والعصر أربع والعشاء أربع والمغرب ثلاث) إلى آخره.

فالسنة بينت لنا تفاصيل الصلاة، - وتفاصيل الأحكام، ولم يزل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون بها، ولما ارتد من العرب من ارتد وقام الصديق رضي الله عنه وأرضاه ودعا إلى جهادهم توقف عمر في ذلك، وقال: كيف نقاتلهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها). قال الصديق رضي الله عنه: (أليست الزكاة من حقها - من حق لا إله إلا الله - والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها) [22]، قال عمر رضي الله عنه: (فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر لقتالهم فعرفت أنه الحق)، ثم وافق المسلمون، ووافق الصحابة واجتمع رأيهم على قتال المرتدين فقاتلوهم بأمر الله ورسوله.

ولما جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن إرثها قال: (ما أعلم لك شيئا في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن سوف أسال الناس) - يعني عما جاء في السنة - فسأل الناس فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسدس، فقضى لها بالسدس رضي الله عنه وأرضاه. وهكذا عمر رضي الله عنه لما أشكل عليه حكم إملاص المرأة: وهو خروج الجنين ميتا بالجناية على أمه ما حكمه؟ توقف حتى سأل الناس، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة، فقضى بذلك.

ولما أشكل على عثمان حكم المعتدة من الوفاة، هل تكون في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟ فشهدت عنده فريعه بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت زوجها، فقضى بذلك عثمان رضي الله عنه وأرضاه، ولما سمع علي رضي الله عنه عثمان في بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج أحرم علي رضي عنه بالحج والعمرة جميعا، وقال: (لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس)، ولما سمع ابن عباس بعض الناس ينكر عليه الفتوى بالمتعة ويحتج عليه بقول أبي بكر وعمر أنهما يريان إفراد الحج قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون قال أبو بكر وعمر)، ولما ذكر لأحمد رحمه الله جماعة يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان الثوري ويسألونه عما لديه وعما يقول، تعجب وقال: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته - يعني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - يذهبون إلى رأي سفيان، والله سبحانه وتعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[23])، ولما ذكر عند أيوب السختياني رحمه الله رجل يدعو إلى القرآن ويثبط عن السنة قال: (دعوه فإنه ضال)، والمقصود أن السلف الصالح قد عرفوا هذا الأمر، ونبغت عندهم نوابغ بسبب الخوارج في هذا الباب، فاشتد نكيرهم عليهم، وضللوهم، وحذروا منهم، مع أنه إنكار ليس مثل الإنكار الموجود الأخير؛ لأنه إنكار له شبهة بالنسبة إلى الخوارج، وما اعتقدوه في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بعضهم دون بعض.

أما هؤلاء المتأخرون فجاءوا بداهية كبرى ومنكر عظيم وبلاء كبير، ومصيبة عظمى حيث قالوا: إن السنة برمتها لا يحتج بها بالكلية لا من هنا ولا من هنا، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها، وساروا على هذا النهج الوخيم وأعلنه كثيراً العقيد القذافي الرئيس الليبي المعروف فضل وأضل، وهكذا جماعة في مصر، وغير مصر قالوا هذه المقالة فضلوا وأضلوا وسموا أنفسهم بالقرآنيين، وقد كذبوا وجهلوا ما قام به علماء السنة؛ لأنهم لو عملوا بالقرآن لعظموا السنة وأخذوا بها، ولكنهم جهلوا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فضلوا وأضلوا.

وقد احتاط أهل السنة كثيرا للسنة حيث تلقوها أولا عن الصحابة حفظاً ودرسوها، وحفظوها حفظاً كاملاً، وحفظاً دقيقاً حرفياً، ونقلوها إلى من بعدهم، ثم ألف العلماء على رأس القرن الأول وفي أثناء القرن الثاني ثم كثر ذلك في القرن الثالث، ألفوا الكتب، وجمعوا فيها الأحاديث حرصاً على بقائها وحفظها وصيانتها، فانتقلت من الصدور إلى الكتب المحفوظة المتداولة المتناقلة التي لا ريب فيها ولا شك، ثم نقبوا عن الرجال، وعرفوا ثقاتهم من كذابيهم وضعفائهم، ومن هو سيئ الحفظ منهم حتى حرروا ذلك أتم تحرير، وبينوا من يصلح للرواية، ومن لا يصلح للرواية، ومن يحتج به ومن لا يحتج به، وأوضحوا ما وقع من بعض الناس من أوهام وأغلاط، وسجلوها عليهم، وعرفوا الكذابين والوضاعين، وألفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم، فأيد الله بهم السنة، وأقام بهم الحجة، وقطع بهم المعذرة، وزال تلبيس الملبسين، وانكشف ضلال الضالين، فبقيت السنة بحمد الله جلية واضحة لا شبهة فيها، ولا غبار عليها، وكان الأئمة يعظمون ذلك كثيرا، وإذا رأوا من أحد أي تساهل بالسنة أو إعراض أنكروا عليه.

حدّث ذات يوم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله)[24] فقال بعض أبنائه: (والله لنمنعهن) - عن اجتهاد منه - ومقصوده أنهن تغيرن، وأنهن قد يتساهلن في الخروج، وليس قصده إنكار السنة، فأقبل عليه عبد الله وسبه سبا سيئا وقال: (أقول: قال رسول الله وتقول: والله لنمنعهن).

ورأى عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه بعض أقاربه يخذف، فقال له: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: (إنه لا يصيد صيدا ولا ينكأ عدواً) ثم رآه في وقت آخر يخذف، فقال: (أقول إن الرسول نهى عن هذا ثم تخذف، لا كلمتك أبداً).

فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعظمون هذا الأمر جدا ويحذرون الناس من التساهل بالسنة أو الإعراض عنها أو الإنكار لها برأي من الآراء، أو اجتهاد من الاجتهادات، وقال أبو حنيفة في هذا المعنى رضي الله عنه ورحمه: (إذا جاء الحديث عن رسول الله فعلى العين والرأس وإذا جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فعلى العين والرأس) إلى آخر كلامه.

وقال مالك رحمه الله: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) يعني النبي عليه الصلاة والسلام وقال أيضا: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة).

وقال الشافعي رحمه الله: (إذا رويت عن الرسول حديثا صحيحا ثم رأيتموني خالفته فاعلموا أن عقلي قد ذهب)، وفي لفظ آخر، قال: (إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولي يخالفه فاضربوا بقولي الحائط)، وقال أحمد رحمه الله: (لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي وخذوا من حيث أخذنا)، وسبق قوله رحمه الله: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان)، والله سبحانه وتعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[25].

فالأمر في هذا واضح، وكلام أهل العلم في هذا جلي ومتداول عند أهل العلم، وقد تكلم المتأخرون في هذا المقام كلاما كثيرا كأبي العباس ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم وأوضحوا أن من أنكر السنة فقد زاغ عن سواء السبيل، وأن من عظم آراء الرجال وآثرها على السنة فقد ضل وأخطأ، وأن الواجب عرض آراء الرجال مهما عظموا على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فما شهدا له أو أحدهما بالقبول قبل، وما لا فإنه يرد على قائله، ومن آخر من كتب في هذا الحافظ السيوطي رحمه الله حيث كتب رسالة سماها: "مفتاح الجنة في الاحتفاء بالسنة" وذكر في أولها أن من أنكر السنة وزعم أنه لا يحتج بها فقد كفر إجماعا، ونقل كثيراً من كلام السلف في ذلك.

فهذه منزلة السنة من الإسلام، وهذه مكانتها من الشريعة وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأنها حجة مستقلة قائمة بنفسها، يجب الأخذ بها والرجوع إليها، وأنه متى صح السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به مطلقا، ولا يشترط في ذلك أن يكون متواترا أو مشهورا أو مستفيضا أو بعدد كذا من الطرق.

بل يجب أن يؤخذ بالسنة ولو كانت من طريق واحدة، متى استقام الإسناد وجب الأخذ بالحديث مطلقا بسند واحد أو بسندين أو بثلاثة، أو بأكثر، سواء سمي خبراً متواتراً، أو خبر آحاد، لا فرق في ذلك، كلها حجة، يجب الأخذ بها، مع اختلاف ما تقتضيه من العلم الضروري أو �
الترتيب:

#11K

0 مشاهدة هذا اليوم

#12K

51 مشاهدة هذا الشهر

#13K

15K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 76.
المتجر أماكن الشراء
موسى شاهين لاشين ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
الأزهر الشريف 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية