📘 ❞ الولاية في التراث الصوفي: بحث في الأبعاد النظرية والوظيفية ❝ كتاب ــ نور الدين المكشر اصدار 2018

كتب الزهد والتصوف وتزكية النفس - 📖 ❞ كتاب الولاية في التراث الصوفي: بحث في الأبعاد النظرية والوظيفية ❝ ــ نور الدين المكشر 📖

█ _ نور الدين المكشر 2018 حصريا كتاب الولاية التراث الصوفي: بحث الأبعاد النظرية والوظيفية عن مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث 2024 والوظيفية: إنّ صورة الولي الصوفي إن هي إلا علامة تعجّ بالأحلام والرؤى وهي غالباً ما تكون أحلاماً تحريضية مبشرة بعالم أجمل وأفضل وأرقى عالم لا تقدر صنعه النماذج الباهرة الفائقة الفذة من هنا كانت نظريات المتألّه والباحث وخاتم الأولياء والإنسان الكامل وغيرها معبرةً بحق تشوّف أهل التصوّف إلى بناء إنسان سماوي كامل قادر تجاوز حالة الضعف والذلّ والاستكانة والقهر وعن رغبتهم إقامة المدينة الفاضلة مدينة الأرواح أنقاض الأشباح انطلق هذه الرؤية الباحث التونسي الديم كتابه المتميز "الولاية الصوفي" مشيرا أن مفهوم الفكر الإسلامي قد شكّل مسألة خلافية ليس بين الفرق الإسلامية فحسب ولكن الاتجاهات الصوفية أيضاً ورد هذا الاختلاف عاملين أساسيين هما: المسلّمات الفكرية والعقائدية التي يعتنقها كلّ اتجاه والأوضاع التاريخية الحافّة أثّرت تشكل تلك المفاهيم بدت حيّة ومتحرّكة تحرّك التاريخ نفسه ولئن كان المدار الدلالي الغالب لمصطلح ولاية النص التأسيسي هو القرب والنصرة والمحبة والصداقة والتقوى والورع فقد تطوّر لاحقاً فاتسعت دلالاته وتعدّدت أبعاده تعدُّد الكلامية والاتجاهات لقد بدا مثيرة لجدل كلامي وفلسفي وسياسي مختلف أطياف فاستفحل الخلاف بينها تأويل المصطلح وتوظيفه واستحالت الآيات والأحاديث سنداً إيديولوجيّاً؛ إذ تؤوّل تأويلاً يخدم أغراض المؤوّل الدينية والزمنية وقد أنتج التباين التأويلي خلافاً حادّاً الفِرق خصوص مفاهيم ومقوّماتها ووظائفها وأوضح مراحل ظهور الصادر مؤسسة قائلا إنه انطلاقاً القرن الثالث للهجرة بدأ المتصوّفة الخوض قضايا وكانت أولى محاولاتهم متجهة تحديد الوسائل العملية الموصلة المقام السامي أكثر وضبط النظريات لينشأ جنيني خاص للولاية مخالف لما متداولاً لدى السنّة والشيعة وهنا بدأت الخلافات تدبُّ الأطياف الصوفية؛ ينزل الكتاب والسنة وبين يتحرج التعويل المصادر الأجنبية منها والفلسفية طور النشأة متصلاً بالأصول مقيداً بالكتاب والسنّة فإنّه سرعان شهد انعطافاً حاسماً مع البسطامي والحلّاج والحكيم الترمذي الذين استسقوا معين الأديان والثقافات وأضاف أنه الرابع أخذت تتبلور وتتشعّب؛ فاتضحت معالم السنيّة بفضل جهود القشيري والكلاباذي والطوسي وحرص هؤلاء تأصيل نظرياتهم الولائية دفعاً للشبهات حامت حول بعد مقتل الحلّاج وتجنّد عدد المتكلمين والفقهاء لمحاربته بتعلة البدع والضلالات أنزل الله بها سلطان وشهد السادس نشأة مذهبين ولائيين اغتنيا الإسهامات وهما الإشراقية للسهروردي والولاية الفلسفية لابن عربي وانطلاقاً الذي استفحال لون صوفي جديد التصوف الشعبي نشأت ظاهرة ولائية متأثرة بالظروف والثقافية السائدة خلع المتخيّل أنموذجه الولائي الكرامات والمناقب جعله أقرب الكائن الأسطوري منه التاريخي ورأى أنّ عقيدة التوحيد الصّوفية المؤثّرة الولاية؛ فمتصوّر الألوهية المتحكّم متصوّر بما شكل أشكال العلاقة الخالق والمخلوق إنّ للإله صورتين متباينتين؛ الإله المستشرف ويعتنق الصّورة السنّي بلونيه المعتدل والمتشدّد وصورة المستدني وتتبنّاها الأخرى وإلى جانب تحكّم تشكيل فإنّ لمتصوّر النبوّة الضمير دوراً توجيه ذلك المفهوم ولا سيّما بعض المتصوفة الإطار المرجعي نظرية وفي الوصول حدّ المماهاة أحياناً والنبي أمّا المدافعون أفضلية فإنهم يكتفون برفض المقالات؛ بل عدّوها المستوجبة أشد العقوبات واستماتوا نفي أيّ المماثلة أشار معظم لم تعوّل العقل رسم الولي؛ جنحت المتخيّل؛ لأنّ فيه المواصفات يحقّق توق المطلق الخصائص قدرته التحليق أبعد الآفاق والانطلاق قيود فضلاً انفلاته الرقابة التعبير الحلم الرغبات الدفينة خلال تشكيله شخصياتٍ الأسطورة وما أنيط بعهدته وظائف إنتاجٌ متخيّل أساساً رغم أعلام يؤكدون أولياءهم تاريخيون وأنهم بشر لحم ودم مفرّ التساؤل طبيعة وهو ينتج مقالة الزعيم الروحي وكشف المتخيل وسيلة مخصوصة نتعامل الواقع إمّا بتأييده وتبريره وإعادة إنتاجه وإمّا بإدانته ومعارضته والهروب واقع آخر تبين نزوع بدرجات متفاوتة خلق شخصية نموذجية رمزية المثال الواقع؛ فيها المتميزة يجعلها قادرة تلبية رغبات وانتظارات الأوساط صنعتها؛ فلكل طيف نموذجه ولكل عصر وليه نمط التخيل ودرجته يختلفان فبالنظر يمكن نسجّل نمطين التخيّل؛ التخيّل ومن أهم سماته الاعتدال بعدم الجنوح الأَمْثَلَة المفرطة؛ فالولي واقعية فوق مرتبة المسلمين العاديين دون منزلة والألوهة؛ فهو مؤمن تقي عفيف مطهّر ولكنه يتصل مباشرة بالغيب وليس معصوماً الخطأ أفضل الأنبياء الصحابة أما النمط الثاني غير خلّاق متحرّر رقيب غارق أشاح وليّ متألّه عليم فاعل الكون حسبه يهمّ بالشيء حتى يكون النتيجة الثالثة فتتمثل وطأة ومشكلاته أدّت بالطيف البحث حلول جديدة باهرة راهن عليها لتحقيق جملة الرهانات العاجلة والآجلة والسلطة والمجتمع ورأى الصعيد الديني استهدفت مقاومة الناجمة بشكل خاصّ شيوع عقائد الاتحاد والحلول ووحدة الوجود والعشق الإلهي رأى السنة انتهاكاً لعقيدة والتنزيه ولكنّ جهودهم تقتصر النقض؛ امتدّت البناء وذلك السعي تصالح مقتضيات المنظومة العقدية والنفحات الروحية للإسلام التديّن منظومة الأخلاق وآداب السلوك وعلى خلاف التّصوّف انبرى رموز الاتحادي والحلولي والوحدوي يشيّدون معوّلين مفادها مشهود تارةً موجود أخرى توحيد يقرُّ مبدأ الاتصال الناسوت واللاهوت عكس الرسمي القائم الإسراف المفارقة وشدد راهنوا إلغاء الوسائط العبد وربّه الفعالية الإلهية وينسفون القول بالانفصال والعالم؛ يرون الفصل تجريداً للألوهية قدرتها المطلقة التجلّي والاتصال وتدبير شؤون العالم وممّا شكّ بمختلف مشاربه استثمر التنظير تجديد الإسلام تعميق منابع روحانيته المنابع عمل تجفيفها الفقهي والكلامي حدٍّ سواء وقال كل الدلائل تُشير مرامي العارفين الخروج التهميش عانوا كثيراً بلغت أوج قمتها بتصفية العديد الرموز ولعلّ رهان تشوفوا إليه تصفية الحساب الفقهاء والمتكلّمين كانوا يحظون بمنزلة جليلة الخاصّة والعامّة استولى العلماء الحقيقة واحتكروها غيرهم وعملوا بالتحالف السلطة السياسية تهميش إقصائهم بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير الردّ معرفياً أساساً؛ عملوا سحب البساط تحت أقدام خصومهم بإظهار علم يقيني؛ لأنه ثمرة تلقٍّ كشفي المعين يعدو علماً ظنيّاً منقولاً ميتاً ميت ولهذا وجد أنفسهم الجهة الأصلح امتلاك وصلاحية النطق وخلص اعتقاد الصوفيين باطن والولي وريث النبي يستبطن رغبةً جامحةً يُعرف جانبها بالضرورة؛ بُعده الباطني خصوصاً ثمّ يتحرر المسلم الوصفات الفقهية والكلامية الجاهزة التّديّن الأحكام والسلوك وبالإضافة الوظيفة اضطلعت بمهمّة سياسية يعتقد الكثير أبان عمّا للولي مطامح بعضها معلن وبعضها مضمر بدّ التفريق اتجاهين مختلفين: ناحية واتجاه ثانية تكن السني إسهامات تُذكر؛ يكتفي الأغلب بالوظيفة الدعوية والأخلاقية الشأن السياسي فليس شواغله المركزية؛ العزوف سبب ذاتيّ وآخر موضوعي؛ يتمثل في: السبب الأول اعتبار درجةً دينيةً وشأناً فردياً خاصّاً ينبغي كتمانه؛ لهذا "قنعوا بعبادة وحبّه ناظرين واجباتهم حيال خلقه أمّا السبب الموضوعي عاشوا ظلّ خلافة سنيّة فكانوا أتباعها وأنصارها؛ لذلك يلازمون الصمت الحياة وإذا قدّر لأحدهم يبدي رأياً سياسياً يصدر عنه باب مناصحة السلطان وتبصيره باقي الاتّجاهات الصّوفيّة خارج أو ضحية ضحاياها راغباً طرفاً المشهد السياسي؛ منهم متيّماً بالسياسة الهوس صحيح المشروع بشّر به أولياء يكن سوى مشروع المثالية بعيد التحقيق لكن سمة تقلّل أهمية الطموح أنّه أدى تحريضياً حلم المتصوّف ببناء موبوء يحياه فيحسّ ضحاياه وأنه غريب داخله سجين أسواره فينتابه شعور حادّ بالقلق والضيق ويغمره بإقامة "المدينة الفاضلة"؛ الحق والعدل والفضيلة كتب الزهد والتصوف وتزكية النفس مجاناً PDF اونلاين ركن بكتب مجانيه للتحميل تصوف الصوفية مذهب إسلامي وفق ليست مذهبًا وإنما أحد أركان الثلاثة (الإسلام الإيمان الإحسان) فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة وعلم العقيدة بالإيمان فإن بتحقيق مقام الإحسان التربية تربية والقلب وتطهيرهما الرذائل وتحليتهما بالفضائل الركن ركني والإيمان جمعها حديث جبريل عليه السلام وذكرها ابن عاشر منظومته (المرشد الضروري علوم الدين) وحث له عظيم القدر والشأن قال العارف بالله أحمد بن عجيبة: "مقام يُعبّر بالشريعة ومقام بالطريقة بالحقيقة فالشريعة: تكليف الظواهر والطريقة: الضمائر والحقيقة: شهود تجليات المظاهر فالشريعة تعبده والطريقة تقصده والحقيقة تشهده" وقال أيضاً: "مذهب الصوفية: العمل إذا حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة فتح بأسرار الإحسان" والإحسان كما تضمنه هو: (أن تعبد كأنك تراه فإنه يراك) منهج طريق يسلكه للوصول أي معرفته والعلم الاجتهاد العبادات واجتناب المنهيات وتربية وتطهير القلب السيئة وتحليته بالأخلاق الحسنة وهذا المنهج يقولون يستمد أصوله وفروعه القرآن النبوية واجتهاد فيما يرد نص كعلم مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته شيدوا أركانه وقواعده كغيره العلوم جيلاً جيل جعلوه علما سموه بـ التزكية السالكين فألفوا الكتب الكثيرة بينوا أشهر الكتب: الحِكَم العطائية عطاء السكندري قواعد للشيخ زروق وإحياء للإمام الغزالي والرسالة القشيرية والتعرف لمذهب أبي بكر الكلاباذي ومعنى الحقيقي الصدر فالخلفاء الأربعة صوفيين معنى ويؤكد حلية للحافظ نعيم الأصبهاني مشاهير المحدثين الحلية بصوفية ثم أتبعهم التابعين وهكذا انتشرت حركة الهجري كنزعات فردية تدعو وشدة العبادة تطورت النزعات صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم والتاريخ زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي وأحمد الرفاعي وعبد القادر الجيلاني وأبو الحسن الشاذلي مدين الغوث ومحي وشمس التبريزي وجلال الرومي والنووي والغزالي والعز عبد القادة صلاح الأيوبي ومحمد الفاتح والأمير وعمر المختار وعز القسام نتج كثرة دخول المتعلمين والجهلة طرق الممارسات خاطئة عرّضها بداية الماضي للهجوم باعتبارها ممثلة للثقافة تنشر الخرافات منتصف الهجوم قبل المدرسة السلفية بدعة دخيلة

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
الولاية في التراث الصوفي: بحث في الأبعاد النظرية والوظيفية
كتاب

الولاية في التراث الصوفي: بحث في الأبعاد النظرية والوظيفية

ــ نور الدين المكشر

صدر 2018م عن مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث
الولاية في التراث الصوفي: بحث في الأبعاد النظرية والوظيفية
كتاب

الولاية في التراث الصوفي: بحث في الأبعاد النظرية والوظيفية

ــ نور الدين المكشر

صدر 2018م عن مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث
عن كتاب الولاية في التراث الصوفي: بحث في الأبعاد النظرية والوظيفية:
إنّ صورة الولي الصوفي إن هي إلا علامة تعجّ بالأحلام والرؤى، وهي غالباً ما تكون أحلاماً تحريضية مبشرة بعالم أجمل وأفضل وأرقى، عالم لا تقدر على صنعه إلا النماذج الباهرة الفائقة الفذة. من هنا، كانت نظريات المتألّه والباحث المتألّه وخاتم الأولياء والإنسان الكامل وغيرها معبرةً، بحق، عن تشوّف أهل التصوّف إلى بناء إنسان سماوي كامل، قادر على تجاوز حالة الضعف والذلّ والاستكانة والقهر، وعن رغبتهم في إقامة المدينة الفاضلة، مدينة الأرواح، على أنقاض مدينة الأشباح.

انطلق من هذه الرؤية الباحث التونسي نور الديم المكشر في كتابه المتميز "الولاية في التراث الصوفي" مشيرا إلى أن مفهوم الولاية في الفكر الإسلامي قد شكّل مسألة خلافية ليس بين الفرق الإسلامية فحسب، ولكن بين الاتجاهات الصوفية أيضاً.

ورد المكشر هذا الاختلاف إلى عاملين أساسيين هما: المسلّمات الفكرية والعقائدية التي يعتنقها كلّ اتجاه، والأوضاع التاريخية الحافّة التي أثّرت في تشكل تلك المفاهيم التي بدت حيّة ومتحرّكة تحرّك التاريخ الإسلامي نفسه. ولئن كان المدار الدلالي الغالب لمصطلح ولاية في النص التأسيسي هو القرب والنصرة والمحبة والصداقة والتقوى والورع، فقد تطوّر، لاحقاً، فاتسعت دلالاته وتعدّدت أبعاده تعدُّد الفرق الكلامية والاتجاهات الصوفية.

لقد بدا مفهوم الولاية مسألة خلافية مثيرة لجدل كلامي وفلسفي وسياسي بين مختلف أطياف الفكر الإسلامي، فاستفحل الخلاف بينها في تأويل المصطلح وتوظيفه، واستحالت الآيات والأحاديث سنداً إيديولوجيّاً؛ إذ غالباً ما تؤوّل تأويلاً يخدم أغراض المؤوّل الدينية والزمنية، وقد أنتج هذا التباين التأويلي خلافاً حادّاً بين الفِرق، في خصوص مفاهيم الولاية ومقوّماتها ووظائفها.

وأوضح مراحل ظهور مسألة الولاية في كتابه الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود قائلا إنه انطلاقاً من القرن الثالث للهجرة، بدأ المتصوّفة الخوض في قضايا الولاية، وكانت أولى محاولاتهم متجهة إلى تحديد الوسائل العملية الموصلة إلى هذا المقام السامي، أكثر من الخوض في المفاهيم وضبط النظريات. لينشأ مفهوم جنيني خاص للولاية الصوفية مخالف لما كان متداولاً لدى أهل السنّة والشيعة. وهنا بدأت الخلافات تدبُّ بين الأطياف الصوفية؛ بين من ينزل هذه المفاهيم في الكتاب والسنة، وبين من لا يتحرج في التعويل على المصادر الأجنبية، الدينية منها والفلسفية. ولئن كان مفهوم الولاية الصوفية في طور النشأة متصلاً بالأصول، مقيداً بالكتاب والسنّة، فإنّه سرعان ما شهد انعطافاً حاسماً مع البسطامي والحلّاج والحكيم الترمذي، الذين استسقوا من معين الأديان والثقافات الأجنبية.

وأضاف المكشر أنه انطلاقاً من القرن الرابع للهجرة أخذت نظريات الولاية الصوفية تتبلور وتتشعّب؛ فاتضحت معالم الولاية السنيّة بفضل جهود القشيري والكلاباذي والطوسي، وحرص هؤلاء على تأصيل نظرياتهم الولائية في النص التأسيسي دفعاً للشبهات التي حامت حول التصوّف بعد مقتل الحلّاج، وتجنّد عدد من المتكلمين والفقهاء لمحاربته بتعلة أنه من البدع والضلالات التي ما أنزل الله بها من سلطان. وشهد القرن السادس نشأة مذهبين ولائيين اغتنيا من كلّ الإسهامات الأجنبية، الدينية والفلسفية، وهما الولاية الإشراقية للسهروردي، والولاية الفلسفية لابن عربي.

وانطلاقاً من هذا القرن، الذي شهد استفحال لون صوفي جديد هو التصوف الشعبي، نشأت ظاهرة ولائية متأثرة بالظروف التاريخية والثقافية السائدة. وقد خلع المتخيّل الصوفي الشعبي على أنموذجه الولائي من الكرامات والمناقب ما جعله أقرب إلى الكائن الأسطوري منه إلى التاريخي.
ورأى أنّ عقيدة التوحيد التي يعتنقها كلّ اتجاه من الاتجاهات الصّوفية هي المؤثّرة في تحديد مفهوم الولاية؛ فمتصوّر الألوهية هو المتحكّم في متصوّر الولاية بما هي شكل من أشكال العلاقة بين الخالق والمخلوق.

إنّ للإله في التصوّف الإسلامي صورتين متباينتين؛ صورة الإله المستشرف، ويعتنق هذه الصّورة التصوّف السنّي بلونيه المعتدل والمتشدّد، وصورة الإله المستدني، وتتبنّاها الاتجاهات الصّوفية الأخرى. وإلى جانب تحكّم عقيدة التوحيد في تشكيل مفهوم الولاية، فإنّ لمتصوّر النبوّة في الضمير الإسلامي دوراً في توجيه ذلك المفهوم، ولا سيّما أن النبوّة كانت لدى بعض المتصوفة الإطار المرجعي في بناء نظرية الولاية، وفي الوصول إلى حدّ المماهاة، أحياناً، بين الولي والنبي. أمّا المدافعون عن أفضلية النبوّة فإنهم لا يكتفون برفض هذه المقالات؛ بل عدّوها من البدع والضلالات المستوجبة أشد العقوبات، واستماتوا في نفي أيّ شكل من أشكال المماثلة بين الولي والنبي.

أشار المكشر إلى أن معظم الاتجاهات الصوفية لم تعوّل على العقل في رسم معالم الولي؛ بل جنحت إلى المتخيّل؛ لأنّ فيه من المواصفات ما يحقّق توق الصوفي إلى المطلق. من هذه الخصائص قدرته على التحليق في أبعد الآفاق والانطلاق في كلّ الاتجاهات بلا حدود ولا قيود، فضلاً عن انفلاته من الرقابة في التعبير عن الحلم وعن الرغبات الدفينة، من خلال تشكيله شخصياتٍ ولائية أقرب إلى الأسطورة منها إلى التاريخ. إنّ صورة الولي الصوفي وما أنيط بعهدته من وظائف إنتاجٌ متخيّل أساساً، رغم أن معظم أعلام التصوّف يؤكدون أنّ أولياءهم تاريخيون، وأنهم بشر من لحم ودم. وهنا لا مفرّ من التساؤل عن طبيعة المتخيّل الصوفي وهو ينتج مقالة الزعيم الروحي.

وكشف أنّ المتخيل وسيلة مخصوصة نتعامل بها مع الواقع، إمّا بتأييده وتبريره وإعادة إنتاجه، وإمّا بإدانته ومعارضته والهروب منه إلى واقع آخر. وقد تبين نزوع المتخيّل الصوفي، بدرجات متفاوتة، إلى خلق شخصية نموذجية رمزية أقرب إلى المثال منها إلى الواقع؛ شخصية فيها من المواصفات المتميزة ما يجعلها قادرة على تلبية رغبات وانتظارات الأوساط التي صنعتها؛ فلكل طيف نموذجه ولكل عصر وليه. ولكن نمط التخيل ودرجته يختلفان من اتجاه صوفي إلى آخر، فبالنظر إلى صورة الولي يمكن أن نسجّل نمطين من التخيّل؛ التخيّل السنّي، ومن أهم سماته الاعتدال بعدم الجنوح إلى الأَمْثَلَة المفرطة؛ فالولي بشر من لحم ودم، إنه شخصية واقعية فوق مرتبة المسلمين العاديين، ولكن دون منزلة النبوّة والألوهة؛ فهو مؤمن تقي عفيف مطهّر، ولكنه لا يتصل مباشرة بالغيب، وليس معصوماً من الخطأ، وليس أفضل من الأنبياء، ولا من الصحابة.

أما النمط الثاني، فهو المتخيّل الصوفي غير السنّي، وهو متخيّل خلّاق متحرّر من أيّ رقيب غارق في الحلم. وقد أشاح هذا المتخيّل عن صورة وليّ متألّه عليم بالغيب، فاعل في الكون بلا حدود ولا قيود، حسبه أن يهمّ بالشيء حتى يكون. أمّا النتيجة الثالثة، فتتمثل في أن وطأة الواقع ومشكلاته هي التي أدّت بالطيف الصوفي إلى البحث عن حلول جديدة، من خلال خلق شخصية باهرة راهن عليها المتصوّفة لتحقيق جملة من الرهانات العاجلة والآجلة في الدين والسلطة والمجتمع.

ورأى أنه على الصعيد الديني استهدفت نظريات الولاية، ولا سيّما السنيّة، مقاومة البدع الناجمة، بشكل خاصّ، عن شيوع عقائد الاتحاد والحلول ووحدة الوجود والعشق الإلهي، التي رأى فيها أهل السنة انتهاكاً لعقيدة التوحيد والتنزيه، ولكنّ جهودهم لم تقتصر على النقض؛ بل امتدّت إلى البناء، وذلك من خلال السعي إلى رسم معالم ولاية تصالح بين مقتضيات المنظومة العقدية السنيّة والنفحات الروحية للإسلام الصوفي المعتدل، ولا سيّما في نمط التديّن وفي منظومة الأخلاق وآداب السلوك. وعلى خلاف التّصوّف السنّي، انبرى رموز التصوف الاتحادي والحلولي والوحدوي يشيّدون نظرياتهم معوّلين على مفاهيم جديدة لعقيدة التوحيد مفادها لا مشهود إلا الله تارةً، ولا موجود إلا الله تارةً أخرى. وهو توحيد يقرُّ مبدأ الاتصال بين الناسوت واللاهوت، على عكس التوحيد السنّي الرسمي القائم على الإسراف في المفارقة بين الله والإنسان.

وشدد المكشر إلى إنّ المتصوّفة، الذين راهنوا من خلال نظرية الولاية على إلغاء الوسائط بين العبد وربّه، يؤكدون الفعالية الإلهية، وينسفون القول بالانفصال المطلق بين الله والعالم؛ إذ يرون في عقيدة الفصل تجريداً للألوهية من قدرتها المطلقة على التجلّي والاتصال وتدبير شؤون العالم والإنسان. وممّا لا شكّ فيه أنّ التصوّف، بمختلف مشاربه، قد استثمر التنظير للولاية في تجديد الإسلام وفي تعميق منابع روحانيته، تلك المنابع التي عمل على تجفيفها الإسلام الفقهي والكلامي على حدٍّ سواء.

وقال إنّ كل الدلائل تُشير إلى أن من أبعد مرامي العارفين الخروج من حالة التهميش التي عانوا منها كثيراً، وقد بلغت أوج قمتها بتصفية العديد من الرموز الصوفية. ولعلّ أهم رهان تشوفوا إليه كان تصفية الحساب مع الفقهاء والمتكلّمين، الذين كانوا يحظون بمنزلة جليلة لدى الخاصّة والعامّة. فقد استولى هؤلاء العلماء على الحقيقة الدينية واحتكروها دون غيرهم. وعملوا، بالتحالف مع السلطة السياسية، على تهميش الصوفية؛ بل إقصائهم بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة. وقد كان الردّ الصوفي معرفياً أساساً؛ إذ عملوا على سحب البساط من تحت أقدام خصومهم، وذلك بإظهار أن علم الأولياء يقيني؛ لأنه ثمرة تلقٍّ كشفي من المعين الإلهي، على عكس علم الفقهاء الذي لا يعدو أن يكون علماً ظنيّاً منقولاً ميتاً عن ميت. ولهذا وجد الأولياء أنفسهم الجهة الأصلح في امتلاك الحقيقة الدينية وصلاحية النطق بها.

وخلص المكشر إلى أن اعتقاد العديد من الصوفيين أن الولاية باطن النبوّة، والولي وريث النبي، وهو اعتقاد يستبطن رغبةً جامحةً في أن يكون الولي الجهة التي يُعرف من جانبها الدين بالضرورة؛ الدين في بُعده الروحي الباطني خصوصاً، ومن ثمّ يتحرر المسلم من الوصفات الفقهية والكلامية الجاهزة، في نمط التّديّن وفي منظومة الأحكام والسلوك. وبالإضافة إلى الوظيفة الدينية اضطلعت الولاية بمهمّة سياسية، على عكس ما يعتقد الكثير، فقد أبان البحث عمّا كان للولي الصوفي من مطامح سياسية، بعضها معلن وبعضها مضمر. ولكن لا بدّ من التفريق بين اتجاهين مختلفين: اتجاه التّصوّف السنّي من ناحية، واتجاه التصوف غير السنّي من ناحية ثانية. لم تكن للولي السني مطامح ولا إسهامات سياسية تُذكر؛ فهو يكتفي، في الأغلب، بالوظيفة الدعوية الدينية والأخلاقية. أمّا الشأن السياسي، فليس من شواغله المركزية؛ ولهذا العزوف سبب ذاتيّ وآخر موضوعي؛ يتمثل في:

السبب الأول في اعتبار معظم رموز التصوّف السنّي الولاية درجةً دينيةً في المقام الأول، وشأناً فردياً خاصّاً ينبغي كتمانه؛ لهذا "قنعوا بعبادة الله وحبّه، غير ناظرين إلى واجباتهم حيال خلقه.

أمّا السبب الموضوعي، فهو أنّ معظم أعلام التصوّف السنّي قد عاشوا في ظلّ خلافة سنيّة، فكانوا من أتباعها وأنصارها؛ لذلك كانوا يلازمون الصمت حيال الحياة السياسية، وإذا قدّر لأحدهم أن يبدي رأياً سياسياً ما، فإنّ ما يصدر عنه لا يكون إلا من باب مناصحة السلطان وتبصيره.

أمّا الولي في باقي الاتّجاهات الصّوفيّة، ولا سيّما تلك التي كانت خارج السلطة، أو ضحية من ضحاياها، فقد كان راغباً في أن يكون طرفاً في المشهد السياسي؛ بل إنّ منهم من كان متيّماً بالسياسة إلى حدّ الهوس. صحيح أن المشروع السياسي، الذي بشّر به بعض أولياء الصوفية، لم يكن سوى مشروع غارق في المثالية بعيد عن التحقيق، لكن سمة المثالية لا تقلّل من أهمية ذلك الطموح، ولا سيّما أنّه أدى دوراً تحريضياً في التعبير عن حلم المتصوّف المسلم ببناء عالم أفضل على أنقاض واقع موبوء كان يحياه، فيحسّ أنه ضحية من ضحاياه، وأنه غريب داخله، سجين بين أسواره، فينتابه شعور حادّ بالقلق والضيق، ويغمره الحلم بإقامة "المدينة الفاضلة"؛ مدينة الأولياء، مدينة الأرواح، مدينة الحق والعدل والفضيلة.

الترتيب:

#6K

0 مشاهدة هذا اليوم

#23K

22 مشاهدة هذا الشهر

#107K

629 إجمالي المشاهدات
المتجر أماكن الشراء
نور الدين المكشر ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث