█ _ هيلين كيلر 2021 حصريا كتاب قصة حياتى عن دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع 2024 كيلر: يتناول الكتاب حياة (1880– 1968) تلك الفتاة الأميركية الكفيفة الصماء التي فقدت بصرها وسمعها تماماً وهي بعمر التسعة عشر شهراً بسبب مرضٍ ألَمَّ بها لكن ذلك لم يعقها التعلم والحصول أرفع الدرجات الأكاديمية من أرقى كليات الولايات المتحدة وكانت بذلك أول كفيفة تحصل شهادة البكالوريوس والفضل يعود إلى معلمتها الآنسة “آن سوليفان” بدأت مشوارها تعليم عندما كانت السابعة عمرها فعلمتها لغة الصم التحدث طريق الربت نهايات الأصابع وطريقة القراءة الخاصة بالمكفوفين طريقة بريل أيضاً الرسائل ترسلها أفراد عائلتها وأصدقائها الذين كان العديد منهم شخصيات شهيرة مجال الأدب والعلم ويتضح هذه اللغة الرفيعة تكتب والتي فاقت حتى لمعلمتها سوليفان تختار لهيلين ما هو رفيع كي تقرأه مما أثّر اسلوبها الكتابة تحثها رسائلها إعادة كتابتها أكثر مرة تكون غير متناسقة التعبير تتخذ الرسالة الملائم نشرت ثمانية كتاباً ومن أشهر مؤلفاتها: “العالم الذي أعيش فيه” “أغنية الجدار الحجري” “الخروج الظلام” “الحب والسلام” “هيلين اسكتلندا” تُرجمت كتبها خمسين شجعت كتابة حياتها وقد فعلتْ ونُشرَتْ إحدى المجلات ولاقت صدىً واسعاً ويتناول بقلمها كتب السير المذكرات مجاناً PDF اونلاين هى أصحابها أو أشخاص آخرون تجارب رسمت التاريخ وأسست قواعد هامة حياتنا تستوجب والتفكّر
❞ ما من هُوةٍ تفصلُ بين خبراتي وخبرات الآخرين شكلتها مساحةٌ من الصمت باعدَت بيننا.. إلا وأقمتُ فوقها جِسرا. لو كان للموسيقى أن تتمثل لرؤية الناظر؛ لكان في إمكاني أن أُشير على التعيين إلى مسار نغمات الأورغون، كيفا ارتفعتْ وكيفما هبطت في سُلم النغمات: وهي تصعدُ إلى أعلى.. أعلى، وهي تتأرجح، وهي تتمايل، أراها الآن جَهوريةً عميقة، صارت طبقة الصوت الآن عاليةً وعاصِفة، عما قريبٍ ستُصبح ناعمةً ووقورة، وبين تلكم النغمات ذبذباتٌ رقيقةٌ منثورة، تصادفها في مسارها اللحني. يبدو الكمان بالنسبة إلي كائنًا حيا على نحو فاتِن؛ إذ يستجيبُ لأوهَن رغباتِ سيدِه العازف. التمايُز بين نغماته المعزوفة أكثر رقةً من نغمات البيانو. أستمتع بالبيانو أكثر ما يكون عندما ألمسه. فحين أضعُ يدي على صندوقه، أستشعرُ تهدجاتٍ ضئيلة، ورَجْعَ النغم المعزوف، ومن ثَم السكون الذي يتبعُ ذلك. أستطيعُ أن أستشعر الروح والمزاج المسيطرَيْن على اللحن الموسيقي؛ ألحقُ برتم الموسيقى الراقصة، وهي تتقافزُ فوق مفاتيح البيانو، أواكب اللحن الجنائزي الوئيد، وأستغرقُ مع الموسيقى الحالمة. ففي أوج لحظاتهما الإبداعية، ينقطعُ الشاعر البليغ والموسيقي العظيم عن الالتجاء إلى أدوات السمع والبصر الجِلفة. إذ يُفلتان من سلاسِل الحِس، ويطير كل منهما بعيدًا عن مرساتِه، بدَفعٍ من أجنحةِ الروح الوطيدة الآسِرة، ويُحلقان فوق روابينا المتلبدة بالضباب وودياننا المكسوة بالظلام، إلى أن يبلغا أرض النور، والنغم، والفَهم . ❝
❞ ورغم ذلك، فليست المعرفةُ الصرفة هي ما يخلقُ الجمال. فالطبيعة تشدو بأكثر أغانيها فتنةً لأولئك الواقعين في حُبها. هي لا تكشفُ عن نفسها إلى هؤلاء المتقربين منها لإشباع رغباتهم في التحليل، أو لكي يجمعوا حقائق؛ إنما تبوح بأسرارها.. إلى أولئك الذين يشهدوا في ظواهرها المتعددة.. إيعازاتٍ بعواطفَ رقيقةٍ سامية . ❝
❞ نِتاجُ خليطٍ كهذا يكون أحيانًا نشازًا، لا صلة بينه وبين اللحن الأساسي، لا صلة بتاتًا بينه وبين السيمفونية المبدَعة. (لأجل أولئك الراغبين في التثبت من الأمر؛ سأقول: لقد تحسستُ موسيقيا وهو يُدوزِنُ كمانَه، وقرأتُ عن ماهية العمل السيمفوني، لذا، فعندي قدرٌ مقبول من الإدراك العقلاني لاستعارتي التي استخدمتها). غير أنه، بعد المِران وتراكُم الخِبرة، يأتي دور التمكن؛ فيجمعُ النغمات الشاردة، ليدمِجها في لحنٍ واحدٍ مُكتَمِلٍ مُتآلِف. إن كان الذي قد أنجزَ تلك المهمة موهوبًا بشكلٍ استثنائي؛ نقول عنه أنه: شاعِر. المكفوف والأصم ليسا من صنف الشعراء العِظام، هذا قولٌ صائب. ومع ذلك، يحدث كثيرًا أن تكتشف أن مكفوفًا أو أصم قد بلغ مملكَته: مملكة الجمال الجليلة . ❝
❞ يسري بين جميع الموجودات تناغُم، هو مزيجٌ مما نعرفه عن العالم المادي والعالم الروحي. بالنسبة إلي، يتألفُ هذا الخليط من كل الانطباعات النفسية، والذبذبات، والسخونة، والبرودة، والطعم، والرائحة، والإحساساتِ التي تُوصِلُها تلك المؤثراتُ إلى العقل، تتحدُ في تمازُجاتٍ لانهائية، تتضافرُ مع الأفكار المقترنة بها ومع المعرفة المكتسبَة. ما من متأملٍ في كلامي- بشأن دِلالات خطوات الأقدام وإفادتها عن طبيعة أصحابها- سوف يؤمن أنها تُمثلُ بدِقةٍ حقيقةً عن محض الرجرجات والاهتزازات. فذلك نسَقٌ روُحاني تجسدَ في عناصِرَ مادية معينة؛ فهي مزيجٌ من: نبضات محسوسة، مع معرفةٍ مُكتَسَبة عن العادات الجسدية، مع الطبائع الأخلاقية للكائنات البشرية المنظمة أشد ما يكون. إذْ أي دلالةٍ تمنحها الروائح لنا، إن لم تكن الرائحة مرتبطة بتوقيتها من العام، ومع المكان الذي فيه أحيا، ومرتبطة بالأشخاص الذين أعرفهم . ❝
❞ إنني أكتشف من خلال وقع الأقدام، أنه يوجَدُ تنوعٌ يُدرَك لمسيا، حسب عُمر السائر، وحسب نوعه ذكرٌ أم أنثى، وحسب عاداته. من المستحيل أن أخطِئ معرفة طقطقة طفلٍ على الأرض على أنها دَعس شخصٍ بالغ. إن خطوة الشاب المنطلِق شديد البأس، تختلف عن الدعس الثقِيل، الرصِين، لرجلٍ، في منتصف العمر، وتختلف كذلك عن خطوة شَيخٍ، يجر، قدميه.. جرًا، وهو.. يمشي.. على أرضية الحجرة، أو يدبدب عليها بنبراتٍ، مُتثَاقِلةٍ، وَئِيدة. إن مِشيةَ فتاةٍ فوق الأرض بإيقاعٍ سريعٍ يتسم بالمرونة تُباين كثيرًا خطوة امرأةٍ، طاعنةٍ، في السن . ❝
❞ ما من شيء ضبابي أو مُلتبس فيما نستطيع نحن أن نلمسه. فعبر حاسة اللمس، أتعرف وجوه أصدقائي، أتعرف التنوع اللامتناهي للخطوط المنحنية وتلك المستقيمة، جميعَ الأسطح، الحياة التي تنبض بها التربة، الهيئات الناعمة للزهور، الأشكال النبيلة للأشجار، مدى الرياح العاتية. بجانب الأجسام، والأسطح، والتغيرات المُناخية، أنا أدرك ما لا يحصى من الذبذبات. إنني لأستخلصُ الكثير من المعرفة من كل مادة ألمسها كل يوم، من الاهتزازات والرجرجات التي يتسنى لي أن أستشعرها في كل مكان من أرجاء البيت . ❝
❞ عبر أصابعي تتضاعفُ المعجزة؛ يحدثُ ذلك حين توغِلُ مخيلتي وتبلغُ مخيلةَ فنانٍ يكون قد جسدها في صورةِ هيئةٍ منحوتة. رغم ذلك، فلدى مقارنة الوجه الحَي الدافئ الحافِل بالحركة لأحد الأصدقاء، يكون الوجه المرمري باردًا، لا نبضَ فيه، غير متجاوِب- رغم كونه جميلًا بالنسبة إلى يدي. فتضاريسه المنسابة وانثناءاته تكون مصدرَ متعةٍ حقيقةٍ بالنسبة إلي، ما يعوِزه فقط هو النفَس، بيد أنه، بتأثيرٍ من تعويذة الخيال، تنتفضُ قطعة المرمر بالحياة، وتصيرُ البرهان الإلهي على ما هو مثالي. ففي كل خَط وفي كل تعريجة، تدُس المخيلةُ عاطفةً ما، فيكون التمثال حال لمسي إياه الإلهة بذاتها عيانًا، تتنفس وتتحرك، وتمارسُ فِتنتها . ❝
❞ ليس في وسع أصابعي طبعًا أن تتحصلَ على انطباعٍ لكيانٍ كبير الحجم من أول نظرة، إنما أتحسسُ الأجزاء، ثم يركبُ عقلي تلك الأجزاء معًا. إنني حين أسيرُ حول منزلٍ، أتحسسُ الشيء تلو الشيء وفق ترتيب، وذلك قبل أن يكون بإمكاني أن أكونَ فكرةً تامة عن المنزل بأكمله. فالمخيلةُ هي العامل الصامت، ذلك الذي يستولِدُ الواقِعَ من العماء. دون المخيلة، كم كان عالمي سيكون فضاءً بائسا! لكان بستاني رقعة أرضٍ صامتة، تتناثر فيها العِصِي من مختلف الأشكال والروائح. غير أنه حين تنفتحُ عينُ عقلي على جماله، فإن الأرض الجرداء تُشرقُ من تحت قَدمَي. وتلك هي.. مُعجزةُ الخيال . ❝
❞ إن الأفكار هي ما يؤسس العالم الذي نحيا فيه، والانطباعات هي ما يؤثثُ للأفكار. عالمي تُشيدُه حاسةُ اللمس- وتلك الأحاسيس الآتية منها تكون مُجردةً من الطبيعة اللونية والصوتية، غير أنها رغم ذلك تتنفسُ وتنبضُ بالحياة دون اللون ودون الصوت. كل شيءٍ يرتبطُ في ذِهني بخصائص لَمسية، وتلك الخصائص تجتمعُ في صورٍ لا حَصر لها؛ فتهبني إحساسًا بالقوة، أو بالجمال، أو بالتنافُر . ❝
❞ يدي، بالنسبة إلي، هي كما السمع والبصر مجتمعَين بالنسبة إليك. فاليدُ هي مِجَسي، الذي به، أمرُقُ عبر العزلة والعتمة، وأبلغ كل صِنفٍ من صنوفٍ المتعة وأفهمه، وأعي كل ضربٍ من ضروب الحركة تصادفه أصابعي. فحين يُرَبَتُ في يدي بكلمةٍ صغيرةٍ أودعتها يدٌ أخرى، رفيفُ أنامل رقيقة؛ عندها يستيقظُ الإدراك، وتبدأ البهجة، ويبدأ اكتمال علامات الحياة. ضمن جميع خبراتي الذهنية وأفكاري، أكون بيدي واعية. فأيًا ما يُثيرني، وأيًا ما يفتتني يكون بالنسبة إلي كما يد، تلمسني في الظلام، وتلك اللمسة، تكون هي واقعي . ❝
❞ يسرني أن آخذ بيدِك، وأقودكَ عبر سُبلً لم تطأها قَدَم، تُفضي إلى عالمٍ يكون لليد فيه السلطان الأعلى. غير أنه.. في بداية رحلتنا هذه تعترضُنا عقبة؛ فأنتَ شديد الاعتماد على النور، لذا، حين أحاولُ قيادتكَ وسط أرض الظلام والصمت، أخشى عليكَ أن تتعثر؛ فليس يُفترَضُ في المكفوفين أن يكونوا خير أدلاءٍ في الرحلات. لكن، رغم أنني لا أستطيع الجزْمَ بألا أضيعكَ وسط الطريق، أعدكَ بأنكَ لن تُقاد وسط نارٍ أو تغرق في مياه، أو تسقط في هُوةٍ عميقة. وإن تبِعتني بصبر، فسوف تتبينُ أنه ˝ثمة صوتٌ جد رقيق.. يسري.. لا شيء يسكن بينه وبين الصمت˝، وأن بالأشياء المزيد مما هو خبيئٌ أكثر مما يبدو للعيان . ❝
❞ إن جملة معارف العالم إنما هي بناء قائم على التصور. فما التاريخ إلا ضرب من التخيل، طريقة تجعلنا نشهد الحضارات البائدة التي لم تعد موجودة على وجه الأرض . ❝
❞ “استفيدوا من عيونكم كما لو كنتم مهددين غدا بفقد هذه النعمة ... وإن النصح نفسه ينبغي تطبيقه على سائر الحواس الأخرى: استمعوا إلى الصوت الجميل.. إلى هزيج الطير .. إلى نغمات الموسيقى كما لو كنتم غدا ستصابون بالصمم.. المسوا كل ما يستحق منكم اللمس.. تنمسوا أزيج الزهور وعبير العطور.. تذوقوا لذة كل طعام سائغ لذيذ تتناولونه.. كما لو أنكم ستفقدون غدا حاستي الشم والذوق.. تمتعوا بكل حاسة من حواسكم.. استمتعوا بكل اللذائذ، وانعموا بكل مظاهر الجمال التي تتفتح أمامكم في هذه الدنيا بشتى الأشكال ومختلف الطرائق.. التي تتقدم إليكم بها الطبيعة الخلابة.
إن كل هذه الحواس هبة تستحق الشكر، بيد أن نور البصر يعتبر من أجمل و أروع ما يدخل البهجة إلى النفوس..” . ❝
❞ أعتقد أنه من الممكن أن أرسم على سبيل التخيل ماذا يكون عليّ أن أرى لو أنني وُهِبت نعمة البصر فقط لثلاثة أيام؛ فحاولوا أن تشاركوني في هذا الخيال، ركزوا تفكيركم فيما أقول وأنا أحاول معكم أن نجد استعمالاً جيّداً للزمن طوال تلك الأيام الثلاثة التي سنبصر فيها بأم أعيننا نحن . ❝
❞ عندما تحدثك كاتبة فقدت نعمة البصر منذ طفولتها عن جمال الأشياء من حولك بأشكالها وألوانها وغرابتها وكل تلك الدهشة بها ستخجل، ستكتفي بأن تُطرِق بالنظر إلى الأرض شارداً بعظمة تلك النعمة التي لديك والتي قلَّ ما شكرت الله عليها، وقلَّ ما قدرتها أيضاً.
. ❝