█ _ مصطفى محمود 1986 حصريا كتاب حوار مع صديقي الملحد عن دار العودة 2024 الملحد: رد أسئله لملحدين الدين الإسلامي رائع بالدلائل والأمثله يجيب تساؤلات عقلنا فترة نمر بها ويرد الآخرين الماديين صديقى رجل يحب الجدل ويهوى الكلام وهو يعتقد أننا أنفسنا المؤمنون السذج نقتات بالاوهام ونضحك بالجنة والحوار العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها وصديقى بهذه المناسبة تخرج من فرنسا وحصل دكتوراه وعاش الهيبيز تاريخ آخر ينكر لا تقل لي كعادتك أنا مخيـَّر فليس هناك فرية أكبر هذه الفرية ودعني أسألك هل خُـيّرتُ ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟ هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة لماذا يُكرهني الله فعل ثم يؤاخذني عليه ؟ وإذا قلت إنك حر وإن لك مشيئة إلى جوار ألا تشرك بهذا وتقع القول بتعدد المشيئات ؟ ثم ما قولك حكم البيئة والظروف وفي الحتميات التي يقول الماديون التاريخيون ؟ أطلق صاحبي الرصاصات راح يتنفس الصعداء راحة وقد تصوَّر أني توفيت وانتهيت ولم يبق أمامه استحضار الكفن قلت له هدوء أنت واقع عدة مغالطات فأفعالك معلومة عند كتابه ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه إنها مقدَّرة علمه فقط كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني يحدث بالفعل فهل أكرهته أو كان هذا تقديراً العلم أصاب علمك أما كلامك الحرية بأنها وتدليلك ذلك بأنك لم تخيَّر ميلادك ولا جنسك طولك لونك موطنك وأنك لا تملك نقل مكانها هو تخليط وسبب التخليط المرة أنك تتصوَّر بالطريقة غير تلك نتصورها نحن المؤمنين أنت تتكلم حرية مطلقة فتقول أكنت أستطيع أخلق نفسي أبيض أسود طويلا قصيراً بإمكاني أنقل أوقفها مدارها أين حريتي ؟ ونحن نقول : تسأل التصرف الكون وهذه ملك لله وحده أيضاً { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } 68 سورة القصص ليس لأحد الخيرة مسألة الخلق لأن الذي يخلق يشاء ويختار ولن يحاسبك قِصَرك ولن يعاتبك يعاقبك لأنك توقف ولكن مجال المساءلة التكليف وأنت المجال هي الحدود نتكلم فيها تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة أنت تستطيع تجود بمالك ونفسك تصدق وأن تكذب وتستطيع تكف يدك المال الحرام بصرك عورات تمسك لسانك السباب والغيبة والنميمة في أحرار وفي نُحاسَب ونُسأل الحرية يدور حولها البحث النسبية وليست المطلقة الإنسان التكليف وهذه حقيقة ودليلنا عليها شعورنا الفطري داخلنا فنحن نشعر بالمسئولية وبالندم الخطأ وبالراحة للعمل الطيب ونحن كل لحظة نختار ونوازن بين احتمالات متعددة بل إن وظيفة الأولى الترجيح والاختيار البديلات ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم يدنا وهي ترتعش بالحمى ويدنا تكتب خطاباً فنقول حركة جبرية قهرية والحركة الثانية حرة اختيارية ولو كنا مسيرين الحالتين لما استطعنا التفرقة ويؤكد به استحالة إكراه القلب شيء يرضاه تحت أي ضغط فيمكنك تُكره امرأة بالتهديد والضرب تخلع ثيابها ولكنك بأي تهديد تجعلها تحبك قلبها ومعنى أعتق قلوبنا صنوف الإكراه والإجبار وأنه فطرها ولهذا جعل والنية عمدة الأحكام فالمؤمن ينطق بعبارة الشرك والكفر التهديد والتعذيب يحاسب طالما قلبه الداخل مطمئن بالإيمان استثناه المؤاخذة قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ٌ} 106 النحل والوجه الآخر الخلط المسألة بعض الناس يفهم علو المشيئة وانفراد بالأمر فيتهم القائلين بالحرية بأنهم أشركوا بالله وجعلوا أنداداً يأمرون كأمره ويحكمون كحكمه وهذا فهمته فقلت فهم خاطئ فالحرية الإنسانية تعلو الإلهية إن قد يفعل بحريته ينافي الرضا الإلهي ولكنه يستطيع الله أعطانا نعلو رضاه "فنعصيه" يعط أحداً يعلو مشيئته وهنا وجه وجوه نسبية وكل منا داخل وضمنها خالف وجانب الشريعة وحريتنا ذاتها كانت منحة إلهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره نأخذها منه كرهاً غصباً إن حريتنا عين ومن هنا معنى الآية {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن اللَّهُ 30 الإنسان لأن مشيئتنا ضمن ومنحة كرمه وفضله فهي إرادته ثنائية تناقض منافسة لأمر وحكمه والقول المعنى التوحيد يجعل يحكمون ويأمرون فإن حرياتنا أمره ومشيئته والوجه الثالث للخلط تناولوا والقدر والتسيير والتخيير فهموا بأنه للإنسان طبعه وطبيعته خطأ وقعت فيه نفى نفسه بآيات صريحة {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 4 الشعراء والمعنى أنه الممكن نُكره الإيمان بالآيات الملزمة ولكننا نفعل لأنه ليس سنتنا { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ 256 البقرة { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ 99 يونس ليس سُنة والقضاء يصح يُفهم للناس طبائعهم وإنما العكس يقضي إنسان جنس نيته ويشاء ويريد تسيير تخيير العبد يسيِّر امرئ هوى وعلى مقتضى نياته يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ حَرْثِهِ وَمَن الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا 20 الشورى { قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً 10 البقرة { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى 17 محمد وهو يخاطب الأسرى القرآن إِن يَعْلَمِ قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ 70 الأنفال الله ويقدِّر ويجري قضاءه وقدره النية والقلب شراً فشر خيراً فخير ومعنى التسيير التخيير الله يسيِّرنا اخترناه بقلوبنا ونياتنا ظلم جبر قهر طبائعنا { فَأَمَّا أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ لِلْعُسْرَى 5 الليل { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى الأنفال هنا تلتقي رمية والرمية المقدَّرة الرب فتكون واحدة مفتاح لغز التمكين فخير فشر والحرية مقداراً ثابتاً قدرة قابلة للزيادة الإنسان يزيد حريته بالعلم باختراع الوسائل والأدوات والمواصلات استطاع يطوي الأرض ويهزم المسافات ويخترق قيود الزمان والمكان وبدراسة قوانين يتحكم ويسخرها لخدمته وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام وبذلك يضاعف حرياته الفعل العلم وسيلة كسر القيود والأغلال وإطلاق أما الوسيلة فكانت الاستمداد بالتقرب والأخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد الأنبياء ومن دربهم سخّر سليمان الجن وركب الريح وكلّم الطير بمعونة ومدده وشق موسى البحر وأحيا المسيح الموتى ومشى الماء وأبرأ الأكمه والأبرص والأعمى ونقرأ الأولياء أصحاب الكرامات الذين تُطوى لهم وتكشف المغيبات وهي درجات اكتسبوها بالاجتهاد العبادة والتقرب والتحبب إليه فأفاض عليهم المكنون إنه مرة أخرى ولكنه "اللدني" ولهذا يُلخص أبو حامد الغزالي مشكلة المخيَّر والمسيَّر قائلاً كلمتين الإنسان مخيَّر فيما يعلم مسيَّر وهو يعني كلما اتسع سواء المقصود الموضوعي اللدنِّي ويخطئ المفكرون أشد حينما يتصورون أسير التاريخية والطبقية ويجعلون حلقة سلسلة الحلقات فكاك مهرب الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع كأنما قشة تيار بلا ذراعين وبلا إرادة والكلمة يرددونها يتعبون ترديدها وكأنها قانون "حتمية الصراع الطبقي" كلمة خاطئة التحليل العلمي حتميات الإنساني الأكثر ترجيحات واحتمالات الفرق وبين التروس والآلات والأجسام المادية فيمكن التنبوء بخسوف بالدقيقة والثانية ويمكن التنبؤ بحركاتها المستقبلة مدى أيام وسنين أما يمكن أحد ماذا يُضمر وماذا يُخبئ غداً بعد غد معرفة سبيل الاحتمال والترجيح والتخمين وذلك فرض توفر المعلومات الكافية للحكم وقد أخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس فلم تبدأ الشيوعية بلد متقدم تنبأ متخلف يتفاقم الرأسمالية والشيوعية تقارب الاثنان حالة التعايش السلمي وأكثر فتحت البلاد أبوابها لرأس الأمريكي تتصاعد التناقضات الرأسمالي الإفلاس توقعه ازدهر ووقع الشقاق والخلاف أطراف المعسكر الاشتراكي ذاته أخطأت حسابات جميعها دالة بذلك منهجه الحتمي ورأينا صراع العصر يحرك التاريخ اللاطبقي الصين وروسيا وليس الطبقي جعله عنوان وكلها شواهد فشل الفكر المادي والتاريخ وتخبطه حساب المستقبل وجاء نتيجة جوهري ذبابة شبكة ونسي تماماً أنّ أمّا كلام والمجتمع يعيش تتحرك فراغ نقول ردّاً كمقاومات للحرية الفردية إنما يؤكد الجدلي لهذه ينفيه تؤكد ّ مقاومة تزحزحها أما إذا يتحرك فراغ نوع فإنه يكون حراً بالمعنى المفهوم لن تكون عقبة يتغلب ويؤكد خلالها الرد الإلحاد مجاناً PDF اونلاين روح المناقشات الدينية تناقش بالعقل بما قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ فَإِن تَنَازَعْتُمْ شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) النساء , لذا يحتوي القسم الكتب اللتي ترد الالحاد والملحدين وفرقهم عقلاني نفس الوقت بالآدلة الواقعة والسنة
❞ حوار مع صديقي الملحد
قال صاحبي : - موقفك اليوم سيكون صعباً ، فعليك أن تثبت أن خلق الإنسان جاء على طريقة جلا جلا .. أمسك الخالق قطعة طين ثم
عجنها في يده و نفخ فيها فإذا بها آدم وهو كلام تخالفك فيه بشدة علوم التطور التي تقول : إن صاحبك آدم جاء نتيجة سلسلة من الأطوار الحيوانية السابقة ، و أنه ليس مقطوع الصلة بأفراد عائلته من الحيوانات ، و أنه و القرود أولاد عمومة يلتقون معاً في سابع جد .. و أن التشابه الأكيد في تفاصيل البنية التشريحية للجميع يدل على أنهم جميعاً أفراد أسرة واحدة .
قلت و أنا أستعد لمعركة علمية دسمة :- دعني أصحح معلوماتك أولاً فأقول لك إن الله لم يخلق آدم على طريقة جلا جلا ..
ها هنا قطعة طين ننفخ فيها فتكون آدم .. فالقرآن يروي قصة مختلفة تماماً عن خلق آدم، قصة يتم فيه الخلق على مراحل و أطوار و زمن إلهي مديد ، والقرآن يقول إن الإنسان لم يخرج من الطين مباشرة ، وإنما خرج من سلالة جاءت من الطين : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ } 12/ سورة المؤمنون
وأن الإنسان في البدء لم يكن شيئاً يذكر :{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } 1/ سورة الإنسان
وأن خلقه جاء على أطوار ..{مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا } 13/14 سورة نوح { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } 11/ سورة الأعراف
{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } 71/72 سورة ص
معنى ذلك أن هناك مراحل بدأت بالخلق ثم التصوير .. ثم التسوية ثم النفخ .." وثم " بالزمن الإلهي معناها ملايين السنين : { إِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } 47/ سورة الحج
انظر إلى هذه المراحل الزمنية للخلق في سورة السجدة .. يقول الله سبحانه إنه : { وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ .ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } 7/ 9 سورة السجدة .
في البدء كان الطين ، ثم جاءت سلالة من ماء مهين هي البدايات الأولى للإنسان التي لم تكن شيئاً مذكوراً ، ثم التسوية و التصوير ، ثم نفخ الروح التي بها أصبح للإنسان سمع و بصر و فؤاد .. و أصبح آدم ..
فآدم إذن نهاية سلسلة من الأطوار و ليس بدءاً مطلقاً على طريقة جلا جلا ..
{ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } 17/ سورة نوح
هنا عملية إنبات بكل ما في الإنبات من أطوار و مراحل و زمن .. و لكن اللغز الحقيقي هو .. ماذا كانت تلك المراحل بالضبط ، و ماذا كانت تلك الأطوار ؟
هل كل شجرة الحياة من أب واحد .. هي كلها من الطين بحكم التركيب الكيميائي .. و كلها تنتهي بالموت إلى أصلها الترابي .. هذه حقيقة ..
و لكننا نقصد من كلمة " أب " شيئاً أكثر من الأصل الطيني .. و السؤال هو هل تولدت من الطين خلية أولى تعددت و أنجبت كل تلك الأنواع و الفصائل النباتية و الحيوانية بما في ذلك الإنسان ؟
أم أنه كانت هناك بدايات متعددة .. بداية تطورت إلى نباتات ، و بداية تطورت إلى فرع من فروع الحيوان ، كالإسفنج مثلاً ، و بداية أخرى خرج منها فرع آخر كالأسماك ، و بداية خرجت منها الزواحف ، و بداية خرجت منها الطيور ، و بداية خرجت منها الثدييات ، و بداية خرج منها الإنسان ، و بذلك يكون للإنسان جد منفصل ، و يكون لكل نوع جد خاص به ؟
إن التشابه التشريحي للفروع و الأنواع و الفصائل لا ينفي خروج كل نوع من بداية خاصة ، و إنما يدل هذا التشابه التشريحي في الجميع على وحدة الخالق ، و أن صانعها جميعاً واحد ، لأنه خلقها جميعاً من خامة واحدة و بأسلوب واحد و بخطة واحدة .. هذه هي النتيجة الحتمية .
و لكن خروجها كلها من أب واحد ليس نتيجة محتمة لتشابهها التشريحي .. فوسائل المواصلات تتشابه فيما بينها العربة و القطار و الترام و الديزل كلها تقوم على أسس هندسية و تركيبة متشابهة ، دالة بذلك على أنها جميعاً من اختراع العقل البشري .. و لكن هذا لا يمنع أن كل صنف منها جاء من أب مستقل و من فكرة هندسية مستقلة ..
كما أننا لا يصح أن نقول إن عربة اليد تطورت تلقائياً بحكم القوانين الباطنة فيها إلى عربة حنطور ، ثم إلى عربة فورد ثم إلى قطار ، ثم إلى ديزل .
فالواقع غير ذلك .. و هو أن كل طور من هذه الأطوار جاء بطفرة ذهنية في عقل المخترع ، و قفزة إبداع في عقل المهندس ، لم يخرج نوع من آخر .. مع أن الترتيب الزمني قد يؤيد فكرة خروج نوع من نوع .. و لكن ما حدث كان غير ذلك فكل نوع جاء بطفرة إبداعية من العقل المخترع ، و بدأ مستقلاً .
و هذه هي أخطاء داروين و المطبات و الثغرات التي وقع فيها حينما صاغ نظريته .
و دعنا نتذكر معاً ما قال داروين في كتابه " أصل الأنواع " :
كان أول ما اكتشفه داروين في أثناء رحلته بالسفينة " بيجل " هي الخطة التشريحية الواحدة التي بنيت عليها كل الفصائل الحيوانية ..
فالهيكل العظمي واحد في أغلب الحيوانات الفقرية : الذراع في القرد هو نفس الجناح في الطائر ، هو نفس الجناح في الخفاش ، كل عظمة هنا تقابلها عظمة تناظرها هناك مع تحورات طفيفة ، لتلائم الوظيفة ، فالعظام في الطيور رقيقة و خفيفة و مجوفة و هي مغطاة بالريش .. ثم نجد رقبة الزرافة الطويلة بها سبع فقرات ، و رقبة الإنسان سبع فقرات ، و رقبة القنفذ التي لا تذكر من فرط قصرها هي الأخرى بها سبع فقرات ، و هناك خمس أصابع في يد الإنسان ، و نجد نفس التخميس في أصابع القرد ، و الأرنب ، و الضفدعة ، و السحلية ..
و فترة الحمل في الحوت و القرد و الإنسان تسعة أشهر ، و فترة الإرضاع في الجميع سنتان ، و فقرات الذيل في القرد نجدها في الإنسان متدامجة ملتصقة فيما يسمى بالعُصعُص ، و نجد عضلات الذيل قد تحورت في الإنسان إلى قاع متين للحوض ..
ثم نجد القلب بغرفه الأربع في الحصان و الحمار و الأرنب و الحمامة و الإنسان ، و نفس الخطة في تفرع الشرايين و الأوردة ..
ثم نجد نفس الخطة في الجهاز الهضمي : البلعوم ثم المعدة .. ثم " الاثنى عشر " .. ثم الأمعاء الدقيقة .. ثم الأمعاء الغليظة .. ثم الشرج و الجهاز التناسلي : نفس الخصية ، و المبيض ، و قنوات الخصية ، و قنوات المبيض ..
و كذلك الجهاز البولي : نفس الكلية ، و الحالب ، و حويصلة البول ..
و الجهاز التنفسي : القصبة الهوائية و الرئتين ، و نجد أن الرئة في البرمائيات هي نفس كيس العوم في السمكة .
كان طبيعياً بعد هذا أن يتصور داروين أن الحيوانات كلها أفراد أسرة واحدة تفرقت بهم البيئات فتكيفت كل فصيلة مع بيئتها ..
الحوت في المنطقة الجليدية لبس معطفاً من الشحم .. و الدببة لبست الفراء .. و إنسان الغابة في الشمس الإستوائية أسودّ جلده فأصبح كالمظلة الواقية ليقيه الشمس .. و سحالي الكهوف ضمرت عيونها لأنها لا تجد لها فائدة في الظلام فأصبحت عمياء في حين نجد سحالي البراري مبصرة ..
و الحيوانات التي نزلت الماء طورت أطرافها إلى زعانف .. و التي غزت الجو طورت أطرافها إلى أجنحة .. و زواحف الأرض طورت أطرافها إلى أرجل .
ثم ألا يحكي الجنين القصة ؟
ففي مرحلة من مراحل نموه نراه يتنفس بالخياشيم ثم تضمر الخياشيم و تظهر فيه الرئتان ، و في مرحلة نجد له ذيلاً يضمر الذيل و يختفي ، و في مرحلة نراه يكتسي بالشعر ثم ينحسر بعد ذلك الشعر عن جسمه .
ثم ألا تحكي لنا طبقات الصخور بما حفظت لنا من حفريات قصة متسلسلة الحلقات عن ظهور و اختفاء هذه الأنواع الواحد بعد الآخر من الحيوانات البسيطة وحيدة الخلية ، إلى عديدة الخلايا ، إلى الرخويات ، إلى القشريات ، إلى الأسماك ، إلى البرمائيات ، إلى الزواحف ، إلى الطيور ، إلى الثدييات .. و أخيراً إلى الإنسان ..
و لقد أصاب داروين و أبدع حينما وضع هذه المقدمة القيمة في التشابه التشريحي بين الحيوانات و أصاب حينما قال بالتطور .
و لكنه أخطأ حينما حاول أن يفسر عملية الإرتقاء ، و أخطأ حينما حاول أن يتصور مراحل هذا الإرتقاء و تفاصيله .
كان تفسير داروين لعملية الإرتقاء أنه يتم بالعوامل المادية التلقائية وحدها ، حيث تتقاتل الحيوانات بالناب و المخلب في صراع الحياة الدموي الرهيب فيموت الضعيف و يكون البقاء دائماً للأصلح .. تلك الحرب الناشبة في الطبيعة هي التي تفرز الصالح و القوي و تشجعه .. و تبقي على نسله .. و تفسح أمامه سبل الحياة ..
و إذا كانت هذه النظرية تفسر لنا بقاء الأقوى فإنما لا تفسر لنا بقاء الأجمل ، فإن الجناح المنقوش لا يمتاز بأي صلاحيات مادية أو معاشية عن الجناح الأبيض ، و ليس أكفأ منه في الطيران .. و إذا قلنا إن الذكر يفضل الجناح المنقوش ، في التزاوج ، فسوف نسأل و لماذا ؟ .. ما دام هذا النقش لا يمثل أي مزيد من الكفاءة ؟
و إذا دخل تفضيل الأجمل في الحساب فإن النظرية المادية تنهار من أساسها ..
و تبقى النظرية بعد ذلك عاجزة عن تفسير لماذا خرج من عائلة الحمار شيء كالحصان .. و لماذا خرج من عائلة الوعل شيء رقيق مرهف و جميل كالغزال .. مع أنه أقل قوة و أقل إحتمالاً ..
كيف نفسر جناح الهدهد و ريشة الطاووس و موديلات الفراش بألوانها البديعة و نقوشها المذهلة ..
و نحن هنا أمام يد مصور فنان يتفنن و يبدع .. و لسنا أمام عملية غليظة كصراع البقاء و حرب المخلب و الناب ..
و الخطأ الثاني في نظرية التطور جاء بعد ذلك من أصحاب نظرية الطفرة .. و الطفرات هي الصفات الجديدة المفاجئة التي تظهر في النسل نتيجة تغيرات غير محسوبة في عملية تزاوج الخلية الأنثوية و الخلية الذكرية و لقاء الكروموسومات لتحديد الصفات الوراثية ..
و أحياناً تكون هذه الصفات الجديدة صفات ضارة كالمسوخ و التشوهات ، و أحياناً تكون طفرات مفيدة للبيئة الجديدة للحيوان كأن تظهر للحيوان الذي ينزل الماء أرجل مبططة .. فتكون صفة جديدة مفيدة .. لأن الأرجل المبططة أنسب للسباحة ، فتشجع الطبيعة هذه الصفة و تنقلها إلى الأجيال الجديدة ، و تقضي على الصفة القديمة لعدم صلاحيتها ، و بذلك يحدث الإرتقاء و تتطور الأرجل العادية إلى أرجل غشائية ..
و خطأ هذه النظرية أنها أقامت التطور على أساس الطفرات و الأخطاء العشوائية .. و أسقطت عملية التدبير و الإبداع تماماً ..
و لا يمكن أن تصلح هذه الطفرات العشوائية أساساً لما نرى حولنا من دقة و إبداع و إحكام في كل شيء ..
إن البعوضة تضع بيضها في المستنقع .. و كل بيضة تأتي إلى الوجود مزودة بكيسين للطفو .. من أين تعلمت البعوضة قوانين أرشميدس لتزود بيضها بهذه الأكياس الطافية ؟
و أشجار الصحارى تنتج بذوراً مجنحة تطير مع الرياح أميالاً و تنتثر في مساحات واسعة بلا حدود .. من أين تعلمت أشجار الصحارى قوانين الحمل الهوائي لتصنع لنفسها هذه البذور المجنحة ، التي تطير مئات الأميال بحثاً عن أراض ملائمة للإنبات ؟
و هذه النباتات المفترسة التي تصطنع لنفسها الفخاخ و الشراك الخداعية العجيبة لتصيد الحشرات و تهضمها و تأكلها بأي عقل استطاعت أن تصطنع تلك الحيل ؟
نحن هنا أمام عقل كلي يفكر و يبتكر لمخلوقاته و يبدع لها أسباب الحيل.. لا يمكن تصور حدوث الإرتقاء بدون هذا العقل المبدع : { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } 50/ سورة طـه .
و العقبة الثالثة أمام نظرية داروين .. هي ما اكتشفناه الآن بإسم الخريطة الكروموسومية .. أو خريطة الجينات .. و نحن نعلم الآن أن لكل نوع حيواني خريطة كروموسومية خاصة به، و يستحيل أن يخرج نوع من نوع بسبب اختلاف هذه الخريطة الكروموسومية .
نخلص من هذا إلى أن نظرية داروين تعثرت .. و إذا كان التشابه التشريحي بين الحيوانات حقيقة متفق عليها ، و إذا كان التطور أيضاً حقيقة ، فإن مراحل هذا التطور و كيفياته ما زالت لغزاً ..
هل كانت هناك بدايات مستقلة أم أن بعض الفروع تلتقي عند أصول واحدة ؟
و التطور وارد باللفظ الصريح في القرآن .. كما أن مراحل الخلق و التصوير و التسوية و نفخ الروح واردة ..
و لكن لم يستقر العلم على نظرية ثابتة لتلك المراحل بعد .. و إذا عدنا لسورة السجدة التي تحكي عن الله أنه :
{ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } 7 / 9 سورة السجدة
فإن معنى الآية صريح في أن البدايات الأولى للإنسان التي جاء منها آدم فيما بعد ، و هي تلك التي جاء نسلها من ماء مهين ، لم يكن لها سمع و لا أبصار و لا أفئدة ..
و إنما جاءت هذه الأبصار و الأسماع و الأفئدة بعد نفخ الروح و هي آخر مراحل خلق آدم ..
هي إذن بدايات أشبه بالحياة الحيوانية المتخلفة : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } 1/ سورة الإنسان .
هو تفسير لا يختلف كثيراً عن العلوم التي تتحدث عنها .. و لكن نفس الآية قد تعني معنى آخر هو أطوار الجنين داخل الرحم و كيف يتخلق من بدايات لا سمع فيها و لا بصر ثم يأتي نفخ الروح في هذه المضغة في الشهر الرابع فتستوي خلقاً آخر ..
آيات الخلق إذن متشابهات و القرآن يحمل أكثر من وجه من وجوه التفسير .. و الحقيقة بعد هذا ما زالت لغزاً .. و لا يستطيع أحد أن يدعي أنه كشف الحقيقة .. و السؤال ما زال مفتوحاً للبحث ، و كل ما جاء به العلم فروض ..
و ربما كانت أرجح الآراء أن التسوية المذكورة في القرآن { خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ } 7/8 سورة الانفطار . كانت تسوية سلالية بشيء أشبه بالهندسة الوراثية و أن الأمر ليس تطوراً كما يقول داروين و لكنه تطوير يحدث بتدخل و فعل إلهي لإعداد الحشوة الحية ( و هي في أصل المنشأ من الطين ) لتستقبل نفخة الروح و حلول النفس فيها لتكون آدم ..
ثم النفس و حكايتها هي سؤال آخر أكثر ألغازاً .. هل يكون للنفس تصوير في القوالب الطينية فتكون لها تجسدات متعداة و تاريخ و تطور هي الأخرى ؟
أم أنها على حالها من علم الله بها منذ الأزل . . الله أعلم . .
و الموضوع كله عماء . . و ربما كان أفضل فهم لعملية التطور أنها كانت تطويراً بفعل فاعل و بذات مبدعة خلاّقة و لم تكن تطوراً تلقائياً كما تصورها داروين و صحبِه و لم تكن مراحل متروكة للصدفة ..
و إنما كانت تخليقاً مراداً و مخطط خالق قادر حكيم.. و إنها هندسة وراثية لمهندس عظيم ليس كمثله شيء . . و ما جاء في القرآن هو أصدق صورة لما حدث . . و القطع في هذه القضية مستحيل . . و ما زال القرآن يفرض نفسه بلا بديل . .
من كتــاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور/ مصطفى محمود رحمه الله . ❝
❞ وما رأيك في كلام القرآن عن العلم الإلهي ؟ ..
( إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ماذا تكسب غداً و ما تدرى نفس بأي أرض تموت ) 34- لقمان
يقول القرآن إن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره :
( و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) 51- الأنعام
فما بالك الآن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالأرحام ، ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكراً أم أنثى .. و ما بالك بالعلماء الذين أنزلوا المطر الصناعي بالأساليب الكيماوية .
- لم يتكلم القرآن عن إنزال المطر وإنما عن إنزال الغيث ، و هو المطر الغزير الكثيف الذي ينزل بكميات تكفى لتغيير مصير أمة و إغاثتها و نقلها من حال الجدب إلى حال الخصب و الرخاء .. و المطر بهذه الكميات لا يمكن إنزاله بتجربة .
أما علم الله لما في الأرحام فهو علم كلي محيط و ليس فقط علماً بجنس المولود هل هو ذكر أو أنثى ، و إنما علم بمن يكون ذلك المولود و ما شأنه و ماذا سيفعل في الدنيا ، و ما تاريخه من يوم يولد إلى يوم يموت : و هو أمر لا يستطيع أن يعلمه طبيب .
- و ما حكاية كرسي الله الذي تقولون إنه وسع السموات والأرض .. و عرش الله الذي يحمله ثمانية .
- إن عقلك يسع السموات والأرض و أنت البشر الذي لا تذكر .. فكيف لا يسعها كرسي الله .. و الأرض و الشمس و الكواكب و النجوم وا لمجرات محمولة بقوة الله في الفضاء .. فكيف تعجب لحمل عرش ..
- و ما هو الكرسي و ما العرش ؟
- قل لي ما الإلكترون أقل لك ما الكرسي ؟ قل لي ما الكهرباء ؟ قل لي ما الجاذبية ؟ قل لي ما الزمان ؟ إنك لا تعرف ماهية أي شيء لتسألني ما الكرسي و ما العرش ؟ إن العالم مملوء بالأسرار و هذه بعض أسراره .
- و النملة التي تكلمت في القرآن و حذرت بقية النمل من قدوم سليمان و جيشه :
( قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده ) 18- النمل
- لو قرأت القليل عن علم الحشرات الآن لما سألت هذا السؤال .. إن علم الحشرات حافل بدراسات مستفيضة عن لغة النمل و لغة النحل .
و لغة النمل الآن حقيقة مؤكدة .. فما كان من الممكن أن تتوزع الوظائف في خلية من مئات الألوف و يتم التنظيم و تنقل الأوامر و التعليمات بين هذا الحشد الحاشد لولا أن هناك لغة للتفاهم ، و لا محل للعجب في أن نملة عرفت سليمان .. ألم يعرف الإنسان الله ؟
- و كيف يمحو الله ما يكتب في لوح قضائه :
( يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب ) 38- الرعد
أيخطيء ربكم كما نخطيء في الحساب فنمحو و نثبت .. أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا ؟!
- الله يمحو السيئة بأن يلهمك بالحسنة ويقول في كتابه :
( إن الحسنات يذهبن السيئات ) 114- هود
و يقول عن عباده الصالحين : ( و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة ) 73- الأنبياء
و بذلك يمحو الله دون أن يمحو و هذا سر الآية 39 من سورة الرعد التي ذكرتها .
- و ما رأيك في الآية ؟
( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56- الذاريات
هل كان الله في حاجة لعبادتنا ؟!
- بل نحن المحتاجون لعبادته .. أتعبد المرأة الجميلة حباً بأمر تكليف ، أم أنك تتلذذ بهذا الحب و تنتشي و تسعد لتذوقك لجمالها ؟
كذلك الله و هو الأجمل من كل جميل إذا عرفت جلاله و جماله و قدره عبدته ، و وجدت في عبادتك له غاية السعادة و النشوة .
إن العبادة عندنا لا تكون إلا عن معرفة .. والله لا يعبد إلا بالعلم .. و معرفة الله هي ذروة المعارف كلها ، و نهاية رحلة طويلة من المعارف تبدأ منذ الميلاد و أول ما يعرف الطفل عند ميلاده هو ثدي أمه ، و تلك أول لذة ، ثم يتعرف على أمه وأبيه و عائلته و مجتمعه و بيئته ، ثم يبدأ في استغلال هذه البيئة لمنفعته ، فإذا هي ثدي آخر كبير يدر عليه الثراء و المغانم و الملذات ، فهو يخرج من الأرض الذهب و الماس ، و من البحر اللآليء ، و من الزرع الفواكه و الثمار ، و تلك هي اللذة الثانية في رحلة المعرفة .
ثم ينتقل من معرفته لبيئته الأرضية ليخرج إلى السموات و يضع رجله على القمر ، و يطلق سفائنه إلى المريخ في ملاحة نحو المجهول ليستمتع بلذة أخرى أكبر هي لذة استطلاع الكون ، ثم يرجع ذلك الملاح ليسأل نفسه .. و من أنا الذي عرفت هذا كله .. ليبدأ رحلة معرفة جديدة إلى نفسه .. بهدف معرفة نفسه و التحكم في طاقاتها و إدارتها لصالحه و صالح الآخرين ، و تلك لذة أخرى ..
ثم تكون ذروة المعارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس .. و بهذه المعرفة الأخيرة يبلغ الإنسان ذروة السعادات ، لأنه يلتقى بالكامل المتعال الأجمل من كل جميل .. تلك هي رحلة العابد على طريق العبادة .. و كلها ورود و مسرات ..
و إذا كانت في الحياة مشقة ، فلأن قاطف الورود لابد أن تدمي يديه الأشواك .. و الطامع في ذرى اللانهاية لابد أن يكدح إليها .. و لكن وصول العابد إلى معرفة ربه و انكشاف الغطاء عن عينيه .. ما أروعه .
يقول الصوفي لابس الخرقة : " نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف "
تلك هي لذة العبادة الحقة .. و هي من نصيب العابد .. و لكن الله في غنى عنها و عن العالمين .. و نحن لا نعبده بأمر تكليف و لكنا نعبده لأننا عرفنا جماله و جلاله .. و نحن لا نجد في عبادته ذلاً بل تحرراً و كرامة .. تحرراً من كل عبوديات الدنيا .. تحرراً من الشهوات و الغرائز و الأطماع و المال .. و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد ..
خوف الله شجاعة .. و عبادته حرية .. و الذل له كرامة .. و معرفته يقين و تلك هي العبادة ..🌴 . ❝
❞ قال صديقي في شماتة وقد تصور أنه أمسكني من عنقي وأنه لامهرب لي هذه المرة: أنتم تقولون إن الله يجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله قدر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي ، وأن أفعالي كلها مقدرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟ لا تقل لي كعادتك .. أنا مخير .. فليس هناك قرية أكبر من هذه القرية ودعني أسألك: هل خيرت في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟ هل باختياري ينزل على القضاء ويفاجئني الموت وأقع في المأساة فلا أحد مخرجاً إلا الجريمة.. لماذا يكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ؟ وإذا قلت إنك حر ، وإن لك مشيئة إلى حوار مشيئة الله ألا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشبنات ؟ ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف ، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون ؟
أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصور أني توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار الكفن..
قلت له في هدوء: أنت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه .. إنها مقدرة في علمه فقط .. كما تقدر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني .. ثم يحدث أن يزني بالفعل .. فهل أكرهته .. أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك..
أما كلامك عن الحرية بأنها قرية ، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخير في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك ، وأنك لا تملك نقل الشمس من مكانها .. هو تخليط آخر.. وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصور الحرية بالطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين.. أنت تتكلم عن حرية مطلقة .. فتقول .. أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويلا أو قصيراً .. هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو أوقفها في مدارها .. أين حريتي ؟.
ونحن نقول له : أنت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده .. نحن أيضا لا نقول بهذه الحرية { ورثك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخبرة } 68 سورة القصص ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق ، لأن الله هو الذي يخلق ما بشاء ويختار..
ولن يحاسبك الله على قصرك ولن يعاتبك على طولك ولن يعاقبك لانك لم توقف الشمس عن مدارها . ❝
❞ الإنسان مخيَّر فيما يعلم
مسيَّر فيما لا يعلم
وهو يعني بهذا أنه كلما اتسع علمه اتسع مجال حريته .. سواء كان العلم المقصود هو العلم الموضوعي أو العلم اللدنِّي . ❝
❞ لا تقل (( ليست لي خطيئة )) و تشغل نفسك بالتفكير في خطايا الناس .. فالله وحده هو المختص بالحكم في خطايا الناس و هو الذي ختم علي أقدراهم بإصبعه .
لا ترقد فى الليل خائفاً مما يأتى به الغد ، فالله يحقق دائماً ما يريده .
كتاب : حوار مع صديقى الملحد . ❝
❞ ( "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" )
أقسم إبليس بالعزة الإلهية و لم يقسم بغيرها ، فأثبت بذلك علمه و ذكاءه ، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه ، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لن يضروا الله شيئاً ، فهو العزيز عن خلقه ، الغني عن العالمين .
و يقول الله في حديثه القدسى :
(هؤلاء في النار و لا أبالي ، و هؤلاء في الجنة ولا أبالي )
و هذا مقتضى العزة الإلهية .. وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس ، فهو بها يستطيع أن يضل و يوسوس ، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان .. و لهذا قال "فبعزتك " لأغوينهم أجمعين .
( " لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ")
ذكر الجهات الأربع ، و لم يذكر من فوقهم و لا من تحتهم .. لأن "فوق " الربوبية ، و " تحت " تواضع العبودية .. و من لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه .
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم .. على طريق الخير و على سجادة الصلاة ، لأن تارك الصلاة و السكير و العربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله ، فقد تكفلت نفسه بإضلاله ، إنه إنسان خرب .. و إبليس لص ذكي ، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة .
مثال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب و الرحمة على الغضب في القرآن .. فالله في "الفاتحة" هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين .. وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء ... تأتى المغفرة أولاً قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد :
( " يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ")
لأن العقوبة بقطع اليد عذاب دنيوي .. تليه مغفرة أخروية .. و في كلام عيسى يوم القيامة عن المشركين الذين عبدوه من دون الله .. فيقول لربه :
( "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" )
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً .. و يذكر ألم العذاب قبل المغفرة .. لعظم الإثم الذي وقعوا فيه .
و نجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن .. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض .. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
( "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ")
( "وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ" )
( "وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ" )
( "وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ")
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
(" أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ")
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد .. و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض .. و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة .
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة و النحت المحكم في بناء العبارة القرآنية و في اختيار الألفاظ و استخدام الحروف لا زيادة و لا نقص ، و لا تقديم و لا تأخير ، إلا بحساب و ميزان ، و لا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف ، و لا نجده إلا في القرآن .
د مصطفى محمود
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد . ❝
❞ الفصل السادس عشر
كـــهـــيــعــص ..
قلت لصديقي الملحد :
♦ ♦ لا شك أن هذه الحروف المقطعة في أوائل السور قد صدمتك حينما طالعتها لأول مرة .. هذه الـ حم ، طسم ، الم ، كهيعص ، ق ، ص ..
تُرى ماذا قلت لنفسك و أنت تقرأها ؟
إكتفى بأن يمط شفتيه في لا مبالاة و يقول في غمغمة مبتورة :-
♦ يعنى .
♦ ♦ يعنى ماذا .. ؟
♦ يعنى .. أي كلام يضحك به النبي عليكم .
♦ ♦ حسنـًا دعنا نختبر هذا الكلام الذي تدَّعي أنه كلام فارغ و الذي تصورت أن النبي يضحك به علينا .
و دعنا نأخذ سورة صغيرة بسيطة من هذه السور .. سورة ق مثـلاً .. و نُجرى تجربة .. فَنَعُد ما فيها من قافات و سنجد أن فيها 57 قافـًا .. ثم نأخذ السورة التالية و هي سورة الشورى و هي ضعفها في الطول و في فواتحها حرف ق أيضـًا .. و سنجد أن فيها هي الأخرى 57 قافـًا .
هل هي صدفة .. ؟!
لنجمع 57 + 57 = 114 عدد سور القرآن ..
هل تذكر كيف تبدأ سورة ق .. و كيف تختتم .. في بدايتها (( ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ )) و في ختامها .. ((فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ )) ..
و كأنما هي إشارات بأن ق ترمز للقرآن .. ( و مجموع القافات 114 و هي مجموع سور القرآن) .
قال صاحبي في لا مبالاة :
♦ هذه أمور من قبيل الصدف .
قلت في هدوء :
♦ ♦ سنمضى في التجربة و نضع ســور القرآن في العقل الإلكترونيّ و نسأله أن يقدم لنا إحصائية بمعدلات توارد حرف القاف في جميع السور .
قال و قد توترت أعصابه و تيقظ تمامـًا :
♦ و هل فعلوها ؟
قلت في هدوء :
♦ ♦ نعم فعلوها .
♦ و ماذا كانت النتيجة ؟
♦ ♦ قال لنا العقل الإلكترونيّ أن أعلى المتوسطات و المعدلات موجودة في سورة ق و أن هذه السورة قد تفوقت حسابيـًا على كل المصحف في هذا الحرف .. هل هي صدفة أخرى ؟ !
♦ غريب .
♦ ♦ و ســورة الرعـد تبدأ بالحروف ( ا ل م ر ) قدم لنا العقل الإلكترونيّ إحصائية بتوارد هذه الحروف في داخل الســور كالآتى :
( ا ) تَرِدْ 625 مرة .
( ل ) تَرِدْ 479 مرة .
( م ) تَرِدْ 260 مرة .
( ر ) تَرِدْ 137 مرة .
هكذا و في ترتيب تنازلي ( ا ثم ل ثم م ثم ر ) .. بنفس الترتيب الذي كُتِبَتْ به ( ا ل م ر ) تنازليـًا
ثم قام العقل الإلكترونيّ بإحصاء معدلات توارد هذه الحروف في المصحف كله .. و ألقى إلينا بالقنبلة الثانية ..
أن أعلى المعدلات و المتوسطات لهذه الحروف هي في سورة الرعد .. و أن هذه السورة تفوقت حسابيـًا في هذه الحروف على جميع المصحف .
نفس الحكاية في ( ا ل م ) البقرة :
( ا ) وردت 4592 مرة .
( ل ) وردت 3204 مرات .
( م ) وردت 2195 مرة .
بنفس الترتيب التنازلي ( ا ل م ) .
ثم يقول لنا العقل الإلكترونيّ أن هذه الحروف الثلاثة لها تفوق حسابي على باقي الحروف في داخل سورة البقرة .
نفس الحكاية في ( ا ل م ) سورة آل عمران :
( ا ) وردت 2578 مرة .
( ل ) وردت 1885 مرة .
( م ) وردت 1251 مرة .
بنفس الترتيب التنازلي ( ا ل م ) .
و هي تتوارد في السورة بمعدلات أعلى من باقي الحروف .
نفس الحكاية ( ا ل م ) سورة العنكبوت :
( ا ) وردت 784 مرة .
( ل ) وردت 554 مرة .
( م ) وردت 344 مرة .
بنفس الترتيب التنازلي ( ا ل م ) و هي تتوارد في السورة بمعدلات أعلى من باقي الحروف .
نفس الحكاية في ( ا ل م ) سورة الروم :
( ا ) وردت 547 مرة .
( ل ) وردت 396 مرة .
( م ) وردت 318 مرة .
بنفس الترتيب ( ا ل م ) ثم هي تتوارد في السورة بمعدلات أعلى من باقي الحروف .
و في جميع السور التي ابتدأت بالحروف ( ا ل م ) نجد أن السور المكية تتفوق حسابيـًا في معدلاتها على باقي السور المكية ..
و المدنية تتفوق حسابيـًا في معدلاتها من هذه الحروف على باقي السور المدنية .
و بالمثل في ( ا ل م ص ) سورة الأعراف :
يقول لنا العقل الإلكترونيّ أن معدلات هذه الحروف هي أعلى ما تكون في سورة الأعراف ، و أنها تتفوق حسابيـًا على كل السور المكية في المصحف .
و في سورة طـه نجد أن الحرف ( طـ ) و الحرف ( هـ ) يتواردان فيها بمعدلات تتفوق على كل السور المكية .. و كذلك في ( كهيعص ) مريم ترتفع معدلات هذه الحروف على كل السور المكية في المصحف .
كما نجد أن جميع السور التي افتتحت بالحروف ( حـم ) .. إذا ضمت إلى بعضها فإن معدلات توارد الحرف ( ح ) و الحرف ( م ) تتفوق على كل السور المكية في المصحف .
و بالمثل السورتان اللتان افتتحتا بحرف ( ص ) و هما سورة" ص " و الأعراف ( ا ل م ص ) و يلاحظ أنهما نزلتا متتابعتين في الوحي .. إذا ضمتا معـًا تفوقتا حسابيـًا في هذه الحروف على باقي المصحف .
و كذلك السور التي افتتحت بالحروف ( ا ل ر ) و هي إبراهيم و يونس و هود و يوسف و الحجر و أربع منها جاءت متتابعة في تواريخ الوحي .. إذا ضمت لبعضها .. أعطانا العقل الإلكترونيّ أعلى معدلات في نسبة توارد حروفها ( ا ل ر ) على كل السور المكية في المصحف .
أما في سورة يـس فإننا نلاحظ أن الدلالة موجودة و لكنها انعكست ..
لأن ترتيب الحروف انعكس : فالياء في الأول .. يـس " بعكس الترتيب الأبجدي " . و لهذا نرى أن توارد الحرف ( ي ) و الحرف ( س ) هو أقل من توارده في جميع المصحف مدنيـًا و مكـيًا .
فالدلالة الإحصائية هنا موجودة و لكنها انعكست .
# كان صاحبي قد سكت تمامـًا . قلت وأنا أطمئنه :
♦ ♦ أنا لا أقول هذا الكلام من عند نفسي و إنما هي دراسة قام بها عالم مصريّ في أمريكا هو الدكتور رشاد خليفة ..
و هذا الكتاب الذي بين يديك يقدم لك هذه الدراسة مفصلة :Miracle of Quranslamic Productions international in St. Louis mo
و قدمت إليه كتابًا إنجليزيًا مطبوعًا في أمريكا للمؤلف .
أخذ صاحبي يقلب الكتاب في صمت . قلت :
♦ ♦ لم تعد المسألة صدفة .. و إنما نحن أمام قوانين محكمـة و حروف محسوبة كل حرف وُضِع بميزان .. و رحت أتلو عليه من سورة الشورى : { اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } الشورى – 17 . و أي ميـــزان ! ! .. نحن هنا أمام ميزان يدق حتى يزن الشعرة و الحرف ..
أظن أن فكرة النبي الذي يؤلف القرآن و يقول لنفسه سلفـًا سوف أؤلف ســورة الرعد من حروف ( ا ل م ر ) و أورد بها أعلى معدلات من هذه الحروف على باقي الكتاب و هو لم يؤلف بعد الكتاب .. مثل هذا الظن لم يعد جائزًا ..
و أين هذا الذي يُحصى له هذه المعدلات و هي مهمة لا يستطيع أن يقوم بها إلا عقل إلكتروني و لو تكفل هو بها فإنه سيقضى بضع سنين ليحصي الحروف في سورة واحدة يجمع و يطرح بعلوم عصره و هو لا يعرف حتى علوم عصره و هو سيؤلف أو يشتغل عدادًا للحروف .
نحن هنا أمام إستحالة . فإذا عرفنا أن القرآن نزل مفرَقـًا و مقطعًا على23 سنة .. فإنا سوف نعرف أن وضع معدلات إحصائية مسبقة بحروفه هي استحالة أخرى .. و أمر لا يمكن أن يعرفه إلا العليم الذي يعلم كل شيء قبل حدوثه و الذي يحصى بأسرع و أدق من كل العقول الإلكترونية .. الله الذي أحاط بكل شيء علمًا ..
و ما هذه الحروف المقطعة في فواتح السور إلا رموز علمه بثها في تضاعيف كتابه لنكشفها نحن على مدى الزمان .
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَ فِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } فصلت - 53 .
و لا أقول أن هذه كل أسرار الحروف .. بل هي مجرد بداية لا أحد يدرى إلى أي آفاق سوف توصلنا . و هذه الحروف بهذه الدلالة الجديدة تنفي نفيًا باتًا شبهة التأليف .
ثم هي تضعنا أمام موازين دقيقة و دلالات عميقة لكل حرف فلا يجرؤ أحدنا أن يقول أنه أمام .. أي كلام ..
ألا ترى يا صاحبي أنك أمام كلام لا يمكن أن يكون أي كلام ..
و لم يُجِب صاحبي .. و إنما ظل يقلب الكتاب الإنجليزى و يتصفحه ثم يعود يقلبه دون أن ينطق بحرف .
كتاب /حوار مع صديقى الملحد . ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا خلق الله الشر؟
قال صاحبي ساخرًا:
كيف تزعمون أن إلهكم كامل ورحمن ورحيم وكريم ورءوف وهو قد خلق كل هذه الشرور في العالم .. المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم والحر والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفي الطفل الوليد ولا الشيخ الطاعن.
إذا كان الله محبة وجمالا وخيرا فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر .
والمشكلة التي أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة وقد انقسمت حولها مدارس الفكر واختلفت حولها الآراء.
ونحن نقول أن الله كله رحمة وكله خير وأنه لم يأمر بالشر ولكنه سمح به لحكمة.
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (29)} الأعراف-28.
الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب.
فلماذا ترك الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟
لأن الله أرادنا أحرارا .. والحرية اقتضت الخطأ ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب .. والاختيار الحر بين المعصية والطاعة.
وكان في قدرة الله أن يجعلنا جميعًا أخيارا وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرا وكان ذلك يقتضي أن يسلبنا حرية الاختيار.
وفي دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة .. ولهذا تركنا نخطيء ونتألم ونتعلم وهذه هي الحكمة في سماحه بالشر.
ومع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة وأن الشر هو الاستثناء ..
فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء ونحن نقضي معظم سنوات عمرنا في صحة ولا يزورنا المرض إلا أياما قليلة .. وبالمثل الزلازل هي في مجملها بضع دقائق في عمر الكرة الأرضية الذي يحصى بملايين السنين وكذلك البراكين وكذلك الحروب هي تشنجات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة.
ثم أننا نرى لكل شيء وجه خير فالمرض يخلف وقاية والألم يربي الصلابة والجلد والتحمل والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، والبراكين تنفث المعادن والثروات الخبيثة الباطنة وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة .. والحروب تدمج الأمم وتلقح بينها وتجمعها في كتل وأحلاف ثم في عصبة أمم ثم في مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكي والتصالح .. وأعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب .. البنسلين الذرة الصواريخ الطائرات النفاثة كلها خرجت من أتون الحروب.
ومن سم الثعبان يخرج الترياق.
ومن الميكروب نصنع اللقاح.
ولولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في مناصبنا، والشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربت منه خيل إليك أنه عيب ونقص في الصورة .. ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
وهل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض .. إن الصحة تظل تاجا على رؤوسنا لا نراه ولا نعرفه إلا حينما نمرض.
وبالمثل ما كان ممكنا أن نعرف الجمال لولا القبح ولا الوضع الطبيعي لولا االشاذ.
ولهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته ولو أنه استقام لما رمى.
وظيفة أخرى للمشقات والآلام .. أنها هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم.
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا .. والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله.
ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية القص ولكن بدايتها.
ولا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد ولا أن نرفض كتابا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا.
الحكم هنا ناقص..
ولا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف .. ثم ما هو البديل الذي يتصوره السائل الذي يسخر منا؟!
هل يريد أن يعيش حياة بلا موت بلا مرض بلا شيخوخة بلا نقص بلا عجز بلا قيود بلا أحزان بلا آلام.
هل يطلب كمالا مطلقا؟!
ولكن الكمال المطلق لله.
والكامل واحد لا يتعدد .. ولماذا يتعدد .. وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره؟!
معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا أن يكون هو الله ذاته وهو التطاول بعينه.
ودعونا نسخر منه بدورنا .. هو وأمثاله ممن لا يعجبهم شيء.
هؤلاء الذين يريدونها جنة ..
ماذا فعلوا ليستحقونها جنة؟
وماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون.
إن جدتي أكثر ذكاء من الأستاذ الدكتور المتخرج من فرنسا حينما تقول في بساطة:
"خير من الله شر من نفوسنا".
إنها كلمات قليلة ولكنها تلخيص أمين للمشكلة كلها ..
فالله أرسل الرياح وأجرى النهر ولكن ربان السفينة الجشع ملأ سفينته بالناس والبضائع بأكثر مما تحتمل فغرقت فمضى يسب الله والقدر .. وما ذنب الله؟! .. الله أرسل الرياح رخاء وأجرى النهر خيرا .. ولكن جشع النفوس وطمعها هو الذي قلب هذا الخير شرا.
ما أصدقها من كلمات جميلة طيبة.
"خير من الله شر من نفوسنا".
كتاب حوار مع صديقي الملحد
للدكتور مصطفى محمود رحمه الله . ❝
❞ فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه .. إنها مقدَّرة في علمه فقط .. كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني .. ثم يحدث أن يزني بالفعل .. فهل أكرهته ..
أوكان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك . ❝
❞ ˝ قال صديقي الملحد وهو يبتسم إبتسامة خبيثة:
ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتتمسّحون به وتطوفون حوله ..
ورجم الشيطان والهرولة بين الصفا والمروة وتقبيل الحجر الأسود وحكاية السبع طوفات والسبع رجمات..
والسبع هرولات وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة ..
وثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم ..
لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة ولكن لا حياء في العلم ..
قلت في هدوء ::)
ألا تلاحظ معي أنت أيضا أن في قوانين المادة التي درستها ..
أن الأصغر يطوف حول الأكبر ..
الإلكترون في الذرّة يدور حول النواة ..
والقمر حول الأرض..
والأرض حول الشمس ..
والشمس حول المجرّة ..
والمجرّة حول مجرّة أكبر ..
إلى أن نصل إلى الأكبر مطلقا وهو الله ..
ألا نقول الله أكبر ..
أي أكبر من كل شيء..
فالطواف له عز وجل .
وهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمته في الفيزياء ..
أما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزا وبيتا لله ألا تطوفون أنتم حول رجل محنّط في الكرملين تعظمونه وتقولون،
أنه أفاد البشرية ..
ولو عرفتم لشكسبير قبرا لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق إلى زيارة محمد عليه الصلاة والسلام ..
ألا تضعون باقة ورد على نصب حجري وتقولون أنه يرمز للجندي المجهول ..
فلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجرا على نصب رمزي نقول أنه يرمز إلى الشيطان ..
ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتك ..
ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد ..
وهي نفس الرحلة الرمزية ..
من الصفا ، الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم
إلى المروة ، وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة و الوجود
من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم
أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات
ألا ترى في مناسك الحج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه الأسرار ...
فبهت الذي كفر . الله أكبر .. ولله الحمد
. ❝
❞ ونجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن .. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض .. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
" و نفخ في الصور"
"و انشقت السماء فهي يومئذ واهية "
"و برزت الجحيم للغاوين"
"وعرضوا على ربك صفا"
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
"أتى أمر الله فلا تستعجلوه"
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد .. و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض .. و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة . ❝
❞ موقف الإسلام من المرأة هو العدل . و كانت سيرة النبي مع نسائه هي المحبة و الحب و الحنان .. الذي يُؤثَر عنه قوله حُبِبَ إلي من دنياكم النساء و الطِيب و جُعِلَت قُرَّةُ عيني في الصلاة .
فذكر النساء مع الطيب و العطر و الصلاة و هذا غاية الإعزاز ، و كان آخر ما قاله في آخر خطبة له قبل موته هو التوصية بالنساء . ❝
❞ قال صاحبي :
لا أفهم كيف يجوز للرب الرحيم الذي تصفونه بأنه رؤوف ودود كريم عفو غفور كيف يأمر هذا الرب نبيه الخليل المقرب إبراهيم بأن يذبح ولده !! ؟؟
ألا ترى معي أن هذه مسألة صعبة التصديق ؟؟؟!!
القصة تدل من سياقها و أحداثها على أن مراد الله من إبراهيم لم يكن ذبح ابنه ، بدليل أن الذبح لم يحدث و إنما كان المراد أن يذبح إبراهيم شغفه الزائد بابنه و محبته الزائدة لابنه و تعلقه الزائد بابنه .
إذ لا يجوز أن يكون في قلب النبي تعلق بغير الله .. لا دنيا و لا ولد و لا جاه و لا سلطان ،كل هذه الأمور لا يصح أن يتعلق بها قلب النبي و كما هو معلوم كان إسماعيل قد جاء لأبيه إبراهيم على كِبَر و على شيخوخة فشغف به الشيخ و تعلق به ،فجاء امتحان الله لنبيه ضروريا ً و ما حدث في القصة يدل على سلامة هذا التفسير .فما إن صدع النبي لأمر ربه و أشرع سكينه ليذبح ولده حتى جاء أمر السماء بالفداء . ❝