❞ ˝ ربما تعلمون أنني تزوجت مرتين
, وكان الطلاق هو النهاية في كل مرة .. إن الرجال لا يحتملون المرأة التي تطالب ألا تعامل کامرأة ..
هاك يا صغيرتي ما سيحدث :
سیجلس معك
, ويكلمك عن ( سارتر) وعن الوجودية
, ويتلو أبياتاً من شعر ( لوركا)
, ويقول لك كلاماً كثيراً عن انبهاره بعقلك
, وأنه - للمرة الأولى - يلقي المرأة التي تبدو كامرأة
, وتفكر كرجل ..
سيقول إن حياتك معه لن تختلف عن سلسلة من الأعياد الفكرية والمهرجانات العقلانية .. لقد حان الوقت لفهم ذلك الكائن المدعو ( حواء ) حق الفهم ..
سيقول هذا وأكثر يا فتاة
, ولسوف تصدقين ..
کیف لا تصدقين هذه الكلمات من رجل رزين أنيق في منتصف العمر
, عرك الحياة وعركته ؟
ولن يمر وقت طويل حتى تجلسی جواره في ( الكوشة) - إلى يمينه على وجه الدقة - وأنت
تحلمين كمراهقة صغيرة ..
بعد أشهر - لو حالفك الحظ - ستدركين الحقيقة ..
إن الجمال عند الرجل أهم من أي عقل .. طبق الفول بالزيت على مائدة الإفطار أهم من كل كتابات ( سيمون دي بوفوار ) .. مباراة الأهلي والزمالك أهم من ندوة شعرية يتكلم فيها ( أبو العلاء المعري ) شخصياً لو أمكن هذا ..
تدريجياً تدركين أبعاد الخدعة
, وتدركين أن الدور المختار لك هو دور الزوجة لا أكثر ولا أقل ..
ستئورين يا فتاة .. لكنك ستتلقين كلمات قاسية جداً
, ربما بعض الصفعات كذلك لو كان زوجك شرساً مثل زوجي الثاني ..
ستكون معاناة طويلة
, حتى يتم الطلاق
, بعدها تقررين ألا تكرري الخطأ ذاته .. لكن سرعان ما يظهر رجل رزين أنيق في منتصف العمر
, يحدثك عن ( سارتر ) ويتلو عليك شعر ( لوركا ) ..
عندها تقولين لنفسك : لعل الأمر مختلف هذه المرة ؟
تم زواجي الثاني في بداية الشتاء ..
بعدها رحلت مع زوجي ( هشام ) - وهو صحفي كما تعلمون - إلى شاليه في ( بلطيم ) يملكه أحد أصدقائه .. وكانت ( بلطيم ) في هذا الوقت شبه خالية من الشاليهات والمصطافين كذلك
, لأننا كنا في الشتاء
, وحتى في فصل الصيف كانت الإسكندرية - خاصة ( العجمي ) - هي المصيف المرموق الذي يحلم به الجميع ..
كان الشاليه يتكون من أربع غرف .. اثنتان منهما موصدتان بالمفتاح
, وقد تركت لنا غرفتان هما كافيتان تماماً ..
وضعنا حقائبنا .. وقررنا الخروج للنزهة على الشاطئ .. بالطبع ارتدي كل منا ثياباً شتوية ثقيلة
, فالطقس لم يكن يسمح بالمزاح.. وكانت الأمواج ثائرة كأنما ضاقت بالبحر المتوسط
, وودت لو فتح لها أحدهم الباب إلى المحيط ..
مشينا بضع دقائق
, وفي نفس كل منا شك لا يعترف به : هذه العطلة لن تكون ناجحة جداً .
صحيح أننا متفردان .. تنائينا عن القطيع .. لكن كل هذا الفراغ الأثيري لم يكن ليناسبنا حقاً ..
لقد أنهينا أكثر ما لدينا من كلمات وملاحظات ودعابات
, ونحن نمشي متشابكى اليدين بمحاذاة الشاطئ .. خمس دقائق لا أكثر .. والمفترض أن لدينا أسبوعاً كاملاً
, فماذا نعمل فيه ؟
السماء مكفهرة تنذر بالويل
, والبرد قارس وهدير الأمواج يقتل كلماتك ما إن تغادر فاك قلت له بعد ما حاولت إشعال لفافة تبغ ست مرات :
- « فلنعد إلى الشاليه .. »
عدنا إلى الشاليه فتناولنا غذاءنا من المعلبات في صمت .. لاحظت في اشمئزاز أن ( هشام ) يملأ فمه بالطعام كالخرتيت قبل أن يبتلعه .. كان يأكل برقة العصافير حينما كان يخطب ودي
, وكان يقضم حبة العنب على ست مرات .. وبدأت أشم رائحة التحول إياها ..
صارحته بهذا
, فابتسم ولم يعلّق ..
بعد الغداء لاحظت أنه يسلك أسنانه بعود ثقاب
, ولما فشل مزق قطعة خيط من كم منامته وراح يمررها بين الأسنان وبعضها
, على سبيل ال (Floss) المرتجل..
صارحته بهذا
, فابتسم ولم يعلّق ..
أحضر جهاز الد( بيك أب )
, ووضعه على المنضدة
, ثم انتقى أسطوانة لمطربة شابة اشتهرت بأغانيها عديمة المعنى
, وكنت قد جئت بعدة ألبومات لـ ( فاجنر ) و ( جانیس جوبلن ) ..
صارحته بهذا
, فابتسم ولم يعلّق ..
أدرت أسطوانة لـ ( فاجنر )
, وجلست منتظرة أن يبدأ في الحديث الرومانسي معي
, لا سيما لو كان ذا طابع ثقافي .. لكنه راح يحكى دعابات سمجة عن الحموات الشرسات
, والزوجات المتسلطات
, حاسباً أن هذا يجعله أقرب لقلبي
, وينهي كل دعابة بـ ( هاع هاع هاع هاع ! ) ..
صارحته بهذا
, فابتسم ولم يعلّق ..
جلس بمنامته ورفع قدماً يريحها على المقعد
, ثم راح يعبث في أصابع قدميه باستمتاع كما يحب الرجال أن يفعلوا ..
صارحته بهذا
, فانفجر في ..
قال لي إنه لم يتلق كل هذا القدر من الانتقادات منذ كان طفلاً في الرابعة من عمره
, وإن أمه لم تبذل كل هذا الجهد التربوي معه
, وإنني بالتأكيد إنسانة متسلطة قررت أن تتحكم في كل التفاصيل
, في أول نصف ساعة من حياتنا الزوجية ..
راق لي هذا .. فالحرب هي أرضى التي أشعر فيها براحة حقيقية ..
- «من منكم يدنو .. أو يجسر ؟ »
بدأت معركتنا الأولى
, ولم تكن عنيفة جداً بطبيعة الحال
, لكنها انتهت به صامتاً كالأسماك و بي أشعل لفافة تبغ في عصبية ..
وفي المساء تشاجرنا ثانية مع صوت الأمواج ..
في الصباح لاحظت في ضيق أنه يريد أن يلتهم الإفطار دون أن يغسل وجهه
, وهكذا تشاجرنا مرة ثالثة ..
عند الظهيرة تشاجرنا بعنف
, لأنه يريد أن يخرج النزهة
, بينما أنا مصرة على أن نجلس ونستمع لـ ( فاجنر )
, والأدهى أنه دعا بخراب بيت ( فاجنر ) وكل أحفاد ( فاجنر ) إلى يوم الدين ..
- « من فضلك .. أريدك أن تكون متحضرا
لا أسمح لك بسب ( فاجنر ) ! »
- « هذا خير من أن أسبك أنت أيتها المتسلطة ! »
وغادر الشاليه غاضباً
, والحقيقة هي أننا أحرزنا سبقاً هائلاً في عصر السرعة هذا .. لقد حققنا خلال أربع وعشرين ساعة من الجفاء والنفور ما يحققه سوانا في عشر سنوات !
الشاعرة / نادية فهيم
- قصة : مع الحطمة. ❝