إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا... 💬 أقوال محمد بن صالح العثيمين 📖 كتاب تفسير القرآن الكريم - سورة الكهف
- 📖 من ❞ كتاب تفسير القرآن الكريم - سورة الكهف ❝ محمد بن صالح العثيمين 📖
█ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) قوله تعالى : إنا جعلنا ما الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قوله فيه مسألتان : الأولى وزينة مفعولان والزينة كل وجه ; فهو عموم لأنه دال بارئه وقال ابن جبير عن عباس : أراد بالزينة الرجال قال مجاهد وروى عكرمة أن الزينة الخلفاء والأمراء أبي نجيح العلماء وقالت فرقة أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ونحو هذا مما ولم يدخل الجبال الصم وكل لا كالحيات والعقارب والقول بالعموم أولى وأن من جهة خلقه وصنعه وإحكامه والآية بسط التسلية أي تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما ذلك امتحانا واختبارا لأهلها فمنهم يتدبر ويؤمن ومنهم يكفر ثم يوم القيامة بين أيديهم فلا يعظمن عليك كفرهم نجازيهم الثانية معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون وقوله كتاب تفسير القرآن الكريم سورة الكهف مجاناً PDF اونلاين 2024 هي سورةٌ مكيةٌ رقمها 18 تسبق مريم وتلحق الإسراء ترتيب سور عدد آياتها 110 آية وهي السور المكية المتأخرة النزول إذ نزولها 69 تتوسط السورة فهي تقع الجزئين الخامس عشر والسادس 8 صفحات نهاية الجزء و3 بداية السادس تتناول عدة مواضيع تدور حول التحذير الفتن والتبشير والإنذار وذكر بعض المشاهد كما تناولت قصص كقصة أصحاب الذين سُميّت لذكر قصتهم سورة ذوات الفضل وذكرت أحاديث كثيرة ومن أهم فضائلها ذكر قراءتها الجمعة نورٌ الجمعتين إن سبب نزول ذكره مفسرين كابن كثير وغيره: فعن قال: «بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة معيط أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا رسول ﷺ ووصفوا أمره وبعض وقالا: إنكم التوراة وقد جئناكم لتخبرونا صاحبنا فقالت سلوه ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا رأيكم سلوه فتية ذهبوا الدهر كان أمرهم قد شأن عجيب وسلوه رجل طواف بلغ مشارق ومغاربها نبؤه؟ الروح هو؟ بذلك فاتبعوه يخبركم فإنه فاصنعوا بدا لكم فأقبل فقالا: معشر بفصل بينكم وبين أمرنا نسأله أمور فأخبروهم بها فجاءوا فقالوا: أخبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال ﷺ: غدا سألتم عنه يستثن فانصرفوا ومكث خمس عشرة ليلة يحدث له وحيا ولا يأتيه جبريل الصلاة والسلام أرجف مكة وقالوا: وعدنا واليوم أصبحنا يخبرنا بشيء سألناه وحتى أحزن مكث الوحي وشق يتكلم جاءه عز وجل بسورة معاتبته إياه حزنه عليهم وخبر سألوه أمر الفتية والرجل الطواف وقول وجل: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف:83]» الأصل دروس ألقاها فضيلة الشيخ عثيمين رحمه الدورة العلمية التي عقدها شهر ربيع عام 1419هـ بالجامع الكبير مدينة عنيزة والتي فسر آيات
❞ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فيه مسألتان : الأولى : قوله - تعالى - : ما وزينة مفعولان . والزينة كل ما على وجه الأرض ; فهو عموم لأنه دال على بارئه . وقال ابن جبير عن ابن عباس : أراد بالزينة الرجال ; قال مجاهد . وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والأمراء . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله - تعالى - : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها قال العلماء : زينة الأرض . وقالت فرقة : أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ، ونحو هذا مما فيه زينة ; ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما لا زينة فيه كالحيات والعقارب . والقول بالعموم أولى ، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه . والآية بسط في التسلية ; أي لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحانا واختبارا لأهلها ; فمنهم من يتدبر ويؤمن ، ومنهم من يكفر ، ثم يوم القيامة بين أيديهم ; فلا يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم . الثانية : معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قال : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض خرجهما مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري . والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى ; فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملا . أي من أزهد فيها وأترك لها ; ولا سبيل للعباد إلى معصية ما زينه الله إلا [ أن ] يعينه على ذلك . ولهذا كان عمر يقول فيما ذكر البخاري : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا ، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه . فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه . وهذا معنى قوله - عليه السلام - : فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع . وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همته جمعها ; وذلك لعدم الفهم عن الله - تعالى - ورسوله ; فإن الفتنة معها حاصلة وعدم السلامة غالبة ، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه . وقال ابن عطية : كان أبي - رضي الله عنه - يقول في قوله أحسن عملا : أحسن العمل أخذ بحق وإنفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه . قلت : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في لفظ واحد وهو قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي لما قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - في رواية : غيرك . قال : قل آمنت بالله ثم استقم خرجه مسلم . وقال سفيان الثوري : أحسن عملا أزهدهم فيها . وكذلك قال أبو عصام العسقلاني : أحسن عملا أترك لها . وقد اختلفت عبارات العلماء في الزهد ; فقال قوم : قصر الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء ; قاله سفيان الثوري . قال علماؤنا : وصدق - رضي الله عنه - فإن من قصر أمله لم يتأنق في المطعومات ولا يتفنن في الملبوسات ، وأخذ من الدنيا ما تيسر ، واجتزأ منها بما يبلغ . وقال قوم : بغض المحمدة وحب الثناء . وهو قول الأوزاعي ومن ذهب إليه . وقال قوم : ترك الدنيا كلها هو الزهد ; أحب تركها أم كره . وهو قول فضيل . وعن بشر بن الحارث قال : حب الدنيا حب لقاء الناس ، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس . وعن الفضيل أيضا : علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس . وقال قوم : لا يكون الزاهد زاهدا حتى يكون ترك الدنيا أحب إليه من أخذها ; قاله إبراهيم بن أدهم . وقال قوم : الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك ; قاله ابن المبارك . وقالت فرقة : الزهد حب الموت . والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى. ❝
❞ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فيه مسألتان : الأولى : قوله - تعالى - : ما وزينة مفعولان . والزينة كل ما على وجه الأرض ; فهو عموم لأنه دال على بارئه . وقال ابن جبير عن ابن عباس : أراد بالزينة الرجال ; قال مجاهد . وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والأمراء . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله - تعالى - : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها قال العلماء : زينة الأرض . وقالت فرقة : أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ، ونحو هذا مما فيه زينة ; ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما لا زينة فيه كالحيات والعقارب . والقول بالعموم أولى ، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه . والآية بسط في التسلية ; أي لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحانا واختبارا لأهلها ; فمنهم من يتدبر ويؤمن ، ومنهم من يكفر ، ثم يوم القيامة بين أيديهم ; فلا يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم . الثانية : معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قال : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض خرجهما مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري . والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى ; فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملا . أي من أزهد فيها وأترك لها ; ولا سبيل للعباد إلى معصية ما زينه الله إلا [ أن ] يعينه على ذلك . ولهذا كان عمر يقول فيما ذكر البخاري : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا ، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه . فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه . وهذا معنى قوله - عليه السلام - : فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع . وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همته جمعها ; وذلك لعدم الفهم عن الله - تعالى - ورسوله ; فإن الفتنة معها حاصلة وعدم السلامة غالبة ، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه . وقال ابن عطية : كان أبي - رضي الله عنه - يقول في قوله أحسن عملا : أحسن العمل أخذ بحق وإنفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه . قلت : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في لفظ واحد وهو قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي لما قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - في رواية : غيرك . قال : قل آمنت بالله ثم استقم خرجه مسلم . وقال سفيان الثوري : أحسن عملا أزهدهم فيها . وكذلك قال أبو عصام العسقلاني : أحسن عملا أترك لها . وقد اختلفت عبارات العلماء في الزهد ; فقال قوم : قصر الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء ; قاله سفيان الثوري . قال علماؤنا : وصدق - رضي الله عنه - فإن من قصر أمله لم يتأنق في المطعومات ولا يتفنن في الملبوسات ، وأخذ من الدنيا ما تيسر ، واجتزأ منها بما يبلغ . وقال قوم : بغض المحمدة وحب الثناء . وهو قول الأوزاعي ومن ذهب إليه . وقال قوم : ترك الدنيا كلها هو الزهد ; أحب تركها أم كره . وهو قول فضيل . وعن بشر بن الحارث قال : حب الدنيا حب لقاء الناس ، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس . وعن الفضيل أيضا : علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس . وقال قوم : لا يكون الزاهد زاهدا حتى يكون ترك الدنيا أحب إليه من أخذها ; قاله إبراهيم بن أدهم . وقال قوم : الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك ; قاله ابن المبارك . وقالت فرقة : الزهد حب الموت . والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فيه مسألتان : الأولى : قوله - تعالى - : ما وزينة مفعولان . والزينة كل ما على وجه الأرض ; فهو عموم لأنه دال على بارئه . وقال ابن جبير عن ابن عباس : أراد بالزينة الرجال ; قال مجاهد . وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والأمراء . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله - تعالى - : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها قال العلماء : زينة الأرض . وقالت فرقة : أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ، ونحو هذا مما فيه زينة ; ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما لا زينة فيه كالحيات والعقارب . والقول بالعموم أولى ، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه . والآية بسط في التسلية ; أي لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحانا واختبارا لأهلها ; فمنهم من يتدبر ويؤمن ، ومنهم من يكفر ، ثم يوم القيامة بين أيديهم ; فلا يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم . الثانية : معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قال : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض خرجهما مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري . والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى ; فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملا . أي من أزهد فيها وأترك لها ; ولا سبيل للعباد إلى معصية ما زينه الله إلا [ أن ] يعينه على ذلك . ولهذا كان عمر يقول فيما ذكر البخاري : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا ، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه . فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه . وهذا معنى قوله - عليه السلام - : فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع . وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همته جمعها ; وذلك لعدم الفهم عن الله - تعالى - ورسوله ; فإن الفتنة معها حاصلة وعدم السلامة غالبة ، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه . وقال ابن عطية : كان أبي - رضي الله عنه - يقول في قوله أحسن عملا : أحسن العمل أخذ بحق وإنفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه . قلت : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في لفظ واحد وهو قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي لما قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - في رواية : غيرك . قال : قل آمنت بالله ثم استقم خرجه مسلم . وقال سفيان الثوري : أحسن عملا أزهدهم فيها . وكذلك قال أبو عصام العسقلاني : أحسن عملا أترك لها . وقد اختلفت عبارات العلماء في الزهد ; فقال قوم : قصر الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء ; قاله سفيان الثوري . قال علماؤنا : وصدق - رضي الله عنه - فإن من قصر أمله لم يتأنق في المطعومات ولا يتفنن في الملبوسات ، وأخذ من الدنيا ما تيسر ، واجتزأ منها بما يبلغ . وقال قوم : بغض المحمدة وحب الثناء . وهو قول الأوزاعي ومن ذهب إليه . وقال قوم : ترك الدنيا كلها هو الزهد ; أحب تركها أم كره . وهو قول فضيل . وعن بشر بن الحارث قال : حب الدنيا حب لقاء الناس ، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس . وعن الفضيل أيضا : علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس . وقال قوم : لا يكون الزاهد زاهدا حتى يكون ترك الدنيا أحب إليه من أخذها ; قاله إبراهيم بن أدهم . وقال قوم : الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك ; قاله ابن المبارك . وقالت فرقة : الزهد حب الموت . والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى. ❝
❞ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) قوله تعالى : ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا قال ابن إسحاق : وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره ، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها ، لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها ، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق . قال ابن إسحاق : حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين أن ذا القرنين كان من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح . قال ابن هشام : واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه . قال ابن إسحاق : وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي - وكان خالد رجلا قد أدرك الناس - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذي القرنين فقال : ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب وقال خالد : وسمع عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - رجلا يقول يا ذا القرنين ، فقال : ( اللهم غفرا أما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة ) قال ابن إسحاق : فالله أعلم أي ذلك كان ؟ أقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أم لا ؟ والحق ما قال . قلت : وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - مثل قول عمر ; سمع رجلا يدعو آخر يا ذا القرنين ، فقال علي : ( أما كفاكم أن تسميتم بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة ) وعنه أنه عبد ملك ( بكسر اللام ) صالح نصح الله فأيده . وقيل : هو نبي مبعوث فتح الله - تعالى - على يديه الأرض . وذكر الدارقطني في كتاب الأخبار أن ملكا يقال له رباقيل كان ينزل على ذي القرنين ، وذلك الملك هو الذي يطوي الأرض يوم القيامة ، وينقضها فتقع أقدام الخلائق كلهم بالساهرة ; فيما ذكر بعض أهل العلم . وقال السهيلي : وهذا مشاكل بتوكيله بذي القرنين الذي قطع الأرض مشارقها ومغاربها ; كما أن قصة خالد بن سنان في تسخير النار له مشاكلة بحال الملك الموكل بها ، وهو مالك - عليه السلام - وعلى جميع الملائكة أجمعين . ذكر ابن أبي خيثمة في كتاب البدء له خالد بن سنان العبسي وذكر نبوته ، وذكر أنه وكل به من الملائكة مالك خازن النار ، وكان من أعلام نبوته أن نارا يقال لها نار الحدثان ، كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكل الناس ولا يستطيعون ردها ، فردها خالد بن سنان فلم تخرج بعد . واختلف في اسم ذي القرنين وفي السبب الذي سمي به بذلك اختلافا كثيرا ; فأما اسمه فقيل : هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني ، وقد تشدد قافه فيقال : المقدوني . وقيل : اسمه هرمس . ويقال : اسمه هرديس . وقال ابن هشام : هو الصعب بن ذي يزن الحميري من ولد وائل بن حمير ; وقد تقدم قول ابن إسحاق . وقال وهب بن منبه : هو رومي . وذكر الطبري حديثا عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن ذا القرنين شاب من الروم وهو حديث واهي السند ; قاله ابن عطية . قال السهيلي : والظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان : أحدهما : كان على عهد إبراهيم - عليه السلام - ، ويقال : إنه الذي قضى لإبراهيم - عليه السلام - حين تحاكموا إليه في بئر السبع بالشام . والآخر : أنه كان قريبا من عهد عيسى - عليه السلام - . وقيل : إنه أفريدون الذي قتل بيوراسب بن أرونداسب الملك الطاغي على عهد إبراهيم - عليه السلام - ، أو قبله بزمان . وأما الاختلاف في السبب الذي سمي به ، فقيل : إنه كان ذا ضفيرتين من شعر فسمي بهما ; ذكره الثعلبي وغيره . والضفائر قرون الرأس ; ومنه قول الشاعر : فلثمت فاها آخذا بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج وقيل : إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس ، فقص ذلك ، ففسر أنه سيغلب ما ذرت عليه الشمس ، فسمي بذلك ذا القرنين . وقيل : إنما سمي بذلك لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا . وقالت طائفة : إنه لما بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرونها فسمي بذلك ذا القرنين ; أو قرني الشيطان بها . وقال وهب بن منبه : كان له قرنان تحت عمامته . وسأل ابن الكواء عليا - رضي الله تعالى عنه - عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ فقال : ( لا ذا ولا ذا ، كان عبدا صالحا دعا قومه إلى الله - تعالى - فشجوه على قرنه ، ثم دعاهم فشجوه على قرنه الآخر ، فسمي ذا القرنين ) واختلفوا أيضا في وقت زمانه ، فقال قوم : كان بعد موسى . وقال قوم : كان في الفترة بعد عيسى وقيل : كان في وقت إبراهيم وإسماعيل . وكان الخضر - عليه السلام - صاحب لوائه الأعظم ; وقد ذكرناه في " البقرة " . وبالجملة فإن الله - تعالى - مكنه وملكه ودانت له الملوك ، فروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة : مؤمنان وكافران ; فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر ، والكافران نمرود وبختنصر ; وسيملكها من هذه الأمة خامس لقوله - تعالى - : ليظهره على الدين كله وهو المهدي وقد قيل : إنما سمي ذا القرنين لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت شريف من قبل أبيه وأمه وقيل : لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي وقيل : لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعا . وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن . وقيل : لأنه دخل الظلمة والنور . وقيل : لأنه ملك فارس والروم .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) قوله تعالى : ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا قال ابن إسحاق : وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره ، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها ، لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها ، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق . قال ابن إسحاق : حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين أن ذا القرنين كان من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح . قال ابن هشام : واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه . قال ابن إسحاق : وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي - وكان خالد رجلا قد أدرك الناس - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذي القرنين فقال : ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب وقال خالد : وسمع عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - رجلا يقول يا ذا القرنين ، فقال : ( اللهم غفرا أما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة ) قال ابن إسحاق : فالله أعلم أي ذلك كان ؟ أقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أم لا ؟ والحق ما قال . قلت : وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - مثل قول عمر ; سمع رجلا يدعو آخر يا ذا القرنين ، فقال علي : ( أما كفاكم أن تسميتم بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة ) وعنه أنه عبد ملك ( بكسر اللام ) صالح نصح الله فأيده . وقيل : هو نبي مبعوث فتح الله - تعالى - على يديه الأرض . وذكر الدارقطني في كتاب الأخبار أن ملكا يقال له رباقيل كان ينزل على ذي القرنين ، وذلك الملك هو الذي يطوي الأرض يوم القيامة ، وينقضها فتقع أقدام الخلائق كلهم بالساهرة ; فيما ذكر بعض أهل العلم . وقال السهيلي : وهذا مشاكل بتوكيله بذي القرنين الذي قطع الأرض مشارقها ومغاربها ; كما أن قصة خالد بن سنان في تسخير النار له مشاكلة بحال الملك الموكل بها ، وهو مالك - عليه السلام - وعلى جميع الملائكة أجمعين . ذكر ابن أبي خيثمة في كتاب البدء له خالد بن سنان العبسي وذكر نبوته ، وذكر أنه وكل به من الملائكة مالك خازن النار ، وكان من أعلام نبوته أن نارا يقال لها نار الحدثان ، كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكل الناس ولا يستطيعون ردها ، فردها خالد بن سنان فلم تخرج بعد . واختلف في اسم ذي القرنين وفي السبب الذي سمي به بذلك اختلافا كثيرا ; فأما اسمه فقيل : هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني ، وقد تشدد قافه فيقال : المقدوني . وقيل : اسمه هرمس . ويقال : اسمه هرديس . وقال ابن هشام : هو الصعب بن ذي يزن الحميري من ولد وائل بن حمير ; وقد تقدم قول ابن إسحاق . وقال وهب بن منبه : هو رومي . وذكر الطبري حديثا عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن ذا القرنين شاب من الروم وهو حديث واهي السند ; قاله ابن عطية . قال السهيلي : والظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان : أحدهما : كان على عهد إبراهيم - عليه السلام - ، ويقال : إنه الذي قضى لإبراهيم - عليه السلام - حين تحاكموا إليه في بئر السبع بالشام . والآخر : أنه كان قريبا من عهد عيسى - عليه السلام - . وقيل : إنه أفريدون الذي قتل بيوراسب بن أرونداسب الملك الطاغي على عهد إبراهيم - عليه السلام - ، أو قبله بزمان . وأما الاختلاف في السبب الذي سمي به ، فقيل : إنه كان ذا ضفيرتين من شعر فسمي بهما ; ذكره الثعلبي وغيره . والضفائر قرون الرأس ; ومنه قول الشاعر : فلثمت فاها آخذا بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج وقيل : إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس ، فقص ذلك ، ففسر أنه سيغلب ما ذرت عليه الشمس ، فسمي بذلك ذا القرنين . وقيل : إنما سمي بذلك لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا . وقالت طائفة : إنه لما بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرونها فسمي بذلك ذا القرنين ; أو قرني الشيطان بها . وقال وهب بن منبه : كان له قرنان تحت عمامته . وسأل ابن الكواء عليا - رضي الله تعالى عنه - عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ فقال : ( لا ذا ولا ذا ، كان عبدا صالحا دعا قومه إلى الله - تعالى - فشجوه على قرنه ، ثم دعاهم فشجوه على قرنه الآخر ، فسمي ذا القرنين ) واختلفوا أيضا في وقت زمانه ، فقال قوم : كان بعد موسى . وقال قوم : كان في الفترة بعد عيسى وقيل : كان في وقت إبراهيم وإسماعيل . وكان الخضر - عليه السلام - صاحب لوائه الأعظم ; وقد ذكرناه في " البقرة " . وبالجملة فإن الله - تعالى - مكنه وملكه ودانت له الملوك ، فروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة : مؤمنان وكافران ; فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر ، والكافران نمرود وبختنصر ; وسيملكها من هذه الأمة خامس لقوله - تعالى - : ليظهره على الدين كله وهو المهدي وقد قيل : إنما سمي ذا القرنين لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت شريف من قبل أبيه وأمه وقيل : لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي وقيل : لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعا . وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن . وقيل : لأنه دخل الظلمة والنور . وقيل : لأنه ملك فارس والروم. ❝