❞ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
قوله تعالى : والشمس تجري لمستقر لها يجوز أن يكون تقديره : وآية لهم الشمس . ويجوز أن يكون الشمس مرفوعا بإضمار فعل يفسره الثاني . ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء . " تجري " في موضع الخبر
, أي : جارية . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - عز وجل - : والشمس تجري لمستقر لها قال : مستقرها تحت العرش . وفيه عن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوما : أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم
, قال : إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة
, فلا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعي
, ارجعي من حيث جئت
, فترجع
, فتصبح طالعة من مطلعها
, ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة
, ولا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعي
, ارجعي من حيث جئت
, فترجع فتصبح طالعة من مطلعها
, ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش
, فيقال لها : ارتفعي
, أصبحي طالعة من مغربك
, فتصبح طالعة من مغربها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتدرون متى ذلكم ؟ ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . ولفظ البخاري عن أبي ذر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين غربت الشمس : تدري أين تذهب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها
, ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها
, وتستأذن فلا يؤذن لها
, يقال لها : ارجعي من حيث جئت
, فتطلع من مغربها
, فذلك قوله تعالى : والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم . ولفظ الترمذي عن أبي ذر قال : دخلت المسجد حين غابت الشمس
, والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم
, قال : فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها
, وكأنها قد قيل لها : اطلعي من حيث جئت
, فتطلع من مغربها . قال : ثم قرأ " ذلك مستقر لها " قال : وذلك قراءة عبد الله . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وقال عكرمة : إن الشمس إذا غربت دخلت محرابا تحت العرش تسبح الله حتى تصبح
, فإذا أصبحت استعفت ربها من الخروج فيقول لها الرب : ولم ذاك ؟ قالت : إني إذا خرجت عبدت من دونك . فيقول الرب - تبارك وتعالى - : اخرجي فليس عليك من ذاك شيء
, سأبعث إليهم جهنم مع سبعين ألف ملك يقودونها حتى يدخلوهم فيها . وقال الكلبي وغيره : المعنى : تجري إلى أبعد منازلها في الغروب
, ثم ترجع إلى أدنى منازلها
, فمستقرها بلوغها الموضع الذي لا تتجاوزه
, بل ترجع منه
, كالإنسان يقطع مسافة حتى يبلغ أقصى مقصوده فيقضي وطره
, ثم يرجع إلى منزله الأول الذي ابتدأ منه سفره . وعلى تبليغ الشمس أقصى منازلها
, وهو مستقرها إذا طلعت الهنعة
, وذلك اليوم أطول الأيام في السنة
, وتلك الليلة أقصر الليالي
, فالنهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات
, ثم يأخذ في النقصان وترجع الشمس
, فإذا طلعت الثريا استوى الليل والنهار
, وكل واحد ثنتا عشرة ساعة
, ثم تبلغ أدنى منازلها وتطلع النعائم
, وذلك اليوم أقصر الأيام
, والليل خمس عشرة ساعة
, حتى إذا طلع فرغ الدلو المؤخر استوى الليل والنهار
, فيأخذ الليل من النهار كل يوم عشر ثلث ساعة
, وكل عشرة أيام ثلث ساعة
, وكل شهر ساعة تامة
, حتى يستويا
, ويأخذ الليل حتى يبلغ خمس عشرة ساعة
, ويأخذ النهار من الليل كذلك . وقال الحسن : إن للشمس في السنة ثلاثمائة وستين مطلعا
, تنزل في كل يوم مطلعا
, ثم لا تنزله إلى الحول
, فهي تجري في تلك المنازل وهي مستقرها . وهو معنى الذي قبله سواء . وقال ابن عباس : إنها إذا غربت وانتهت إلى الموضع الذي لا تتجاوزه استقرت تحت العرش إلى أن تطلع .
قلت : ما قاله ابن عباس يجمع الأقوال فتأمله . وقيل : إلى انتهاء أمدها عند انقضاء الدنيا وقرأ ابن مسعود وابن عباس " والشمس تجري لا مستقر لها " أي : إنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار
, إلى أن يكورها الله يوم القيامة . وقد احتج من خالف المصحف فقال : أنا أقرأ بقراءة ابن مسعود وابن عباس . قال أبو بكر الأنباري : وهذا باطل مردود على من نقله ; لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عباس
, وابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عباس والشمس تجري لمستقر لها فهذان السندان عن ابن عباس اللذان يشهد بصحتهما الإجماع - يبطلان ما روي بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة
, وما اتفقت عليه الأمة .
قلت : والأحاديث الثابتة التي ذكرناها ترد قوله
, فما أجرأه على كتاب الله
, قاتله الله . وقوله : " لمستقر لها " أي : إلى مستقرها
, والمستقر موضع القرار . " ذلك تقدير " أي الذي ذكر من أمر الليل والنهار والشمس تقدير " العزيز العليم " .. ❝