❞ ما نحبه في البيت والغرفة والفراش والمدفأة
, وما نخلده بالأشعار والأغاني وما نشتاق إليه في ليالي الغربة
,
, ليس هو البيت ولا الغرفة ولا الفراش ولا المدفأة
, وإنما مشاعرنا وذكرياتنا التي نسجت نفسها حول هذه الجمادات وبعثت فيها نبض الحياة وجعلت منها مخلوقات تُحَبُّ وتُفْتَقَدْ
,
, إننا نحب عرق أيدينا في مفرش مشغول وعطر أنفاسنا على الستائر ورائحة تبغنا على الوسائد القديمة
,
,
وحينما نحتفل بالماضي نحن في الواقع نحتفل بالحاضر دون أن ندري فهذه اللحظات الماضية التي أحببناها ظللنا نجرجرها معنا كل يوم فأصبحت معنا حاضرا مستمرا
, إنه الحب الذي خلق من الجمادات أحياء
,
, والحب جعل من الماضي حاضرا شاخصا ماثلا في الشعور
,
, وإذا كنا نقرأ أن السيد المسيح كان يشفي بالحب
, فليس فيما نقرأ مبالغة
,
, بل هي حقيقة علمية
,
,
فالحقد والكراهية والحسد والبغضاء ترفع ضغط الدم
, وتحدث جفافا واضطرابات خطيرة في الغدد الصماء وعسر دائم في الهضم والإمتصاص والتمثيل الغذائى
, وأرقاً وشرودا ً
,
, والنفور والإشمئزاز يؤدي إلى أمراض الحساسية
,
, والحساسية ذاتها نوع من أنواع النفور
,
, نفور الجسم من مواد غريبة عليه
,
, واليأس يؤدي إلى انخفاض الكورتيزون في الدم
,
, والغضب يؤدي إلى إلى ارتفاع الأدرينالين والثيروكسين في الدم بنسب كبيرة
, وإذا استسلم الإنسان لزوابع الغضب والقلق والأرق واليأس أصبح فريسة سهلة لقرحة المعدة والسكر وتقلص القولون وأمراض الغدة الدرقية والذبحة
, وهي أمراض لا علاج لها إلا المحبة والتفاؤل والتسامح وطيبة القلب
,
,
جرب ألا تشمت ولا تكره ولا تحقد ولا تحسد ولا تيأس ولا تتشاءم
, وسوف تلمس بنفسك النتيجة المذهلة
, سوف ترى أنك يمكن أن تشفى من أمراضك بالفعل
, إنها تجربة شاقة وسوف تحتاج منك إلى مجاهدات مستمرة ودائبة مع النفس ربما لمدى سنين وسنين
,
, وسوف يستلزم ذلك أن تظل في حالة حرب معلنة مع أنانيتك وطمعك
, حرب يشترك فيه العقل والعزم والإيمان والإصرار والصبر والمثابرة والإلهام
,
, وأشق الحروب هي حرب الإنسان مع نفسه
,
, وما أكثر القواد الذين استطاعوا أن يحكموا شعوبهم وعجزوا عن حكم أنفسهم وما أسهل أن تسوس الجيوش
, وما أصعب أن تسوس نفسك
,
,
ولا يكفي أن تقول
, من الغد لن أبغض أحدا ولن أحسد أحدا
, وتظن بذلك أن المشكلة انتهت
, فقليل من الصراحة مع نفسك سوف تكشف لك أنك تكذب وأنك تقول بلسانك ما لا تحس بقلبك
, والإنتصار على الأنانية ليس معركة يوم وإنما معركة عمر وحياة
, ولكن ثمار المحبة تستحق كفاح العمر
,
وإذا قالوا لك إن معجزة الحب تستطيع أن تشفي من الأمراض فما يقولونه يمكن أن يكون علميا
,
, فبالحب يحل الإنسجام والنظام في الجسد والروح
, وما الصحة إلا حالة الإنسجام التام والنظام في الجسد
, وإذا كان الحب لم يشف أحدا إلى الآن
, فلأننا لم نتعلم بعد كيف نحب
,
, الرجل يحب المرأة وينتحر من أجلها ويقتل ويختلس ويرتشي ويرتكب جريمة ويظن أن هذا هو منتهى الحب وهو لم يدرك بعد أن الحب هو أن يحب الكل
,
, أن ينظر إلى كل طفل على أنه ابنه وكل كهل على أنه أبوه
, وأن يكون حبه لإمرأته سببا يحب من أجله العالم كله ويأخذه بالحضن
,
, وبالنسبة لعالم اليوم
, عالم القنبلة الذرية والصاروخ والدبابة والدولار
, الكلام في هذا اللون من الحب هذيان
, وتخريف ! ولهذا فالمرض في هذا العالم فريضة
, والعذاب ضريبة واجبة لهذه القلوب التي تطفح بالكراهية
, لا بد أن نمرض لأن العالم مريض وعلاقاته مريضة
,
,
والذبحة والجلطة والضغط والربو أمراض نفسية في حقيقتها
,
, أمراض إنسان يطحن أضراسه غيظا ويعض على نواجذه ندما
, ويستجدي النوم بالمنومات
, ولا يستطيع النوم لأن أطماعه تحاصره
, ولأنه جوعان مهما شبع فقير مهما اغتنى
,
, إنسان يفرق بين أبنائه لأن بعضهم أبيض وبعضهم أسود
, إنسان يتسلق على إنسان ويتسلق عليه إنسان في مجتمع طاقته المحركة صراع الطبقات
,
, وفي مثل هذا العالم الحب مستحيل لأن كل واحد يضع إصبعه على الزناد
,
, كل واحد في حالة توتر
, وهذا التقلص المستمر هو المرض
, وهو الذي يظهر في ألف مرض ومرض
, من تسويس الأسنان إلى السرطان
,
, إذا قالوا لك إن سبب المرض ميكروب
, قل لهم لماذا لا نمرض جميعا بالسل مع أننا نستنشق كلنا ميكروب السل في التراب كل يوم ويدخل إلى رئاتنا في مساواة ؟ لأن بعضنا يقاوم وبعضنا لا يقوم
,
,
وماهي المقاومة سوى أن تكون الحالة سوية للجسم
,
, حالة العمل في انسجام بين كل الخلايا والغدد والأعصاب وهي حالة ترتد في النهاية إلى صورة من صور الإئتلاف الكامل بين النفس والجسد
,
, ولهذا يمكن أن يكون مرض السل مرضا نفسيا
,
, كما يمكن أن تعاودك الإنفلونزا بكثرة لأسباب نفسية
,
, مع أن العلم يؤكد أن سبب السل هو ميكروب [باسيل كوخ] وسبب الإنفلونزا هو (الفيروس) ولكنها ليست أسبابا قاطعة لأن العدوى بها لا تحدث المرض إلا بشرط وجود القابلية والقابلية حالة نفسية كما أنها حالة جسدية
,
,
وأمرض كالإكزيما أمكن إحداثها بالإيحاء أثناء التنويم المغناطيسي
,
, بل إن إلتهابا كإلتهاب الحرق في الجلد يمكن إحداثه بنفس الطريقة بدون مادة كاوية
, لأن النفس يمكن أن تحرق كالنار وتكون كالمادة الكاوية
,
, ولأن النفس يمكن أن تكون أخبث من الميكروب
, والحالة النفسية يمكن أن تكون سببا في الحمى الصداع والضغط والسكر والروماتيزم والسرطان
,
, وإذا قرأت أن الحب يشفي وأن السيد المسيح كان يشفي بالحب فتأكد أنك تقرأ حقيقة علمية ..
مقال : لغز الصحة والمرض
من كتاب : فى الحب والحياة
للدكتور : مصطفي محمود (رحمة الله). ❝