█ خُضرة الحقول اليانعة وزرقة السماء الصافية وحُمرة الورود الدامية وصفرة الرمال الذهبية وكل الألوان المبهجة التي نشاهدها الأشياء لا وجود لها أصلًا وإنما هي اصطلاحات جهازنا العصبي وشفرته يترجم بها أطوال الموجات الضوئية المختلفة تنعكس عليه إنها كآلام الوخز نشعر من الإبر ليست الصورة الحقيقية للإبر وإنما صورة لتأثرنا بالإبر وبالمثل طعم ورائحتها وملمسها وصلابتها وليونتها وشكلها الهندسي وحجمها تقدم لنا حقيقية لما نلمسه ونشمه ونذوقه مجرد الطريقة نتأثر بهذه ترجمة ذاتية خارجنا كل ما نراه ونتصوره خيالات مترجَمة الأصل صور رمزية للمؤثرات صورها بأدواته الحسية المحدودة أهي أحــــلام ؟ هل نحن نحلم ولا لهذا العالَم هذه الصفات تقوم ذهننا دون أن يكون مقابل الخارج ؟؟ البداهة والفطرة تنفي هذا الرأي فالعالَم الخارجي موجود وحواسنا تحيلنا دائمًا شيء آخر ولكن هناك فجوة بيننا وبين حواسنا تستطيع تراه حقيقته تترجمه بلغة خاصة وذاتية وبشفرة مختلفة ولو كتاب آينشتين والنسبية مجاناً PDF اونلاين 2024 فكر وثقافة هذا الكتاب رحلة علمية خصبة يحوي طياته الكثير المفاتيج الهامة لبعض الالغاز نحاول جاهدين الي اداركها ,رحلة عملية مثيرة تصحب قارئ ذلك تصنع خياله مادة للتفكير المنطقي وفى يأخذك " مصفى محمود" قصيرة وأقرب تكون لعقلك وقلبك وروحك إلى حيث بدأ آينشتاين رحتله مع النسبية يتدرج نسبية المكان الزمان الكتلة والمجال ممتعة تلك الرحلة حتى أنها تكاد تخلو الأرقام يحكيها بجمال ستعجب منه! كيف استطاع يقرب كل المعاني العلمية الكبيرة ويحاور قلبك قبل ذهنك يجعلك تتأمل عظمة الكون أكثر وفي مدى قصور العلم مهما بلغ ومهما حاول يفهم القدرات الإلهية نكاد نجهل ماهيتها تماما النهاية يقول عن كان يدرك تواضع عاجز رؤية البداية والنهاية قاصر فهم ماهية أي يستطيعه هو يقيس كميات ويتعرف العلاقات تربط الكميات ويكشف القوانين تجمعها معاً شمل واحد" وحاول دكتور مصطفى محمود رحمه الله باسلوبه المعروف بالسهولة والمنطقية الشديدة النظرية لاينشتين بحيث تناسب وادراك عامة الناس اعتراض شديد منه قصر المعلومات عدد قليل العلماء بحجة التعمق والتخصص قد يؤدي عزلة مؤيدا كتابه دعا اليه اينشتين نفسه نشر بين فقد يكره الكهانة والتلفع بالغموض والادعاء والتعاظم وكان الحقيقة بسيطة وقد نجح اديب الفلاسفة حد كبير شرحها كالعادة خلال الكتاب إقتباسات : كل مترجمة الاصل صوّرها رؤيتنا العاجزة ترى الجدران صمّاء وهي بل مخلخلة أقصى درجات التخلخل! تسمح برؤية العالم الذي ليس حقيقياً إنما عالم اصطلاحي بحت نعيش به معتقلين الرموز يختلقها عقلنا ليدلنا غير المعروفة خضرة زرقة أصلاً الأشياء! تفسيرات وترجمته لموجات الضوء حوله لا سبيل لمعرفة المطلق لأي أحسن الأحوال نقدّر موضعه نسبةً كذا وكذا يستحيل لأن "كذا وكذا" حالة حركة أيضاً! استثناء واحد ندرك فيه الحركة المطلقة: اللحظة تفقد انتظامها فتتسارع تتباطأ القطار نركبه بالفعل متحرك! يتضاعف حولنا لعشرات وملايين الأضعاف لكننا لن بذلك النسب الحجمية تظل محفوظة ولأن نسبة للحركة بجوارها ثابتة المراجع
❞ لا سبيل لمعرفة المكان المطلق لأي شيء، في أحسن الأحوال نقدّر موضعه نسبةً إلى كذا وكذا، يستحيل ذلك لأن ˝كذا وكذا˝ في حالة حركة أيضاً! هناك استثناء واحد ندرك فيه الحركة المطلقة اللحظة التي تفقد الحركة انتظامها فتتسارع/تتباطأ، ندرك أن القطار الذي نركبه بالفعل متحرك قد يتضاعف الكون حولنا لعشرات وملايين الأضعاف لكننا لن نشعر بذلك لأن النسب الحجمية تظل محفوظة ولأن نسبة كل حركة للحركة بجوارها ثابتة . ❝
❞ هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا .. وهل الحقول خضراء .. وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل .. والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ولا دبيب ؟
وهل الزجاج شفاف كما يبدو لنا .. والجدران صمّاء كما نراها ؟
وهل الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين كما تقول لنا الهندسة التقليدية التي تعلمناها .. وهل مجموع زوايا المثلث تساوي 2 ق ؟
وهل أحداث الكون كلها ممتدة في زمن واحد .. بحيث يمكن أن تتواقت بعضها مع بعض في آن واحد في أماكن متفرقة .. كما يتواقت خروج الموظفين مثلًا من مختلف الوزارات في ذات الوقت والساعة .. فنقارن أحداثًا تجري في الأرض مع أحداث تجري في المريخ .. والزهرة وسديم الجبار .. ونقول إنها حدثت في وقت واحد .. أو أن أحدها كان قبل الآخر ..
وهل يمكننا أن نقطع في يقين أن جسمًا ما من الأجسام يتحرك وأن جسمًا آخر لا يتحرك ؟
♦♦ كل هذه الأسئلة التي يُخيّل لك أنك تستطيع الإجابة عنها في بساطة، والتي كان العلماء يظنون أنهم قد انتهوا منها من زمن .. قد تحولت الآن إلى ألغاز ..
لقد انهار اليقين العلمي القديم ..
والمطرقة التي حطمت هذا اليقين، وكشفت لنا عن أنه كان يقينا ساذجا، هي عقل أينشتين الجبار ..
ونظريته التي غيرت الصورة الموضوعة للعالم .. نظرية النسبية .
*********
والنظرية النسبية قد عاشت سنوات منذ بداية وضعها في سنة 1905 إلى الآن في برج عاجي لا يقربها إلا المختصون ..
وكان القارئ العادي يسمع عنها في خوف كما يسمع عن الكِهانات الغامضة والطقوس الماسونية .. ولا يجرؤ على الخوض فيها ..
ومن المأثور عن الدكتور "مشرفة" أنه كان يقول دائما إن هذه النظرية " النظرية النسبية " لا يفهمها في العالم كله إلا عشرة ..
ولكن النظرية النسبية ترتبت عليها القنبلة الذرية ..
إنها لم تعد نظرية .. وإنما تحولت إلى تطبيقات خطيرة تمس كيان كل فرد وتؤثر في مصيره .
لقد خرجت من حيز الفروض والمعادلات الرياضية لتتحول إلى واقع رهيب ..
وأصبح من حق كل فرد أن يعرف عنها شيئا .
ولقد تعددت المحاولات من العلماء لتبسيطها وتقريبها إلى الفهم .. من ادنجتون إلى جيمس جينز .. إلى لنكولن بارنت .. إلى راسِل ..
وكان أينشتين نفسه يحاول أن يبسط ما في نظريته من غموض .. وكان يقول إن قَصْر المعلومات على عدد قليل من العلماء بحجة التعمق والتخصص .. يؤدي إلى عزلة العِلم .. ويؤدي إلى موت روح الشعب الفلسفية وفقره الروحي، وكان يكره الكهانة العلمية والتلَفُح بالغموض، والادعاء .. والتعاظم ..
وكان يقول إن الحقيقة بسيطة .
وفي آخر محاولاته التي أتمها في عام 1949 كان يبحث عن قانون واحد يفسر به كل علاقات الكون .
ونظرية النسبية ليست كلها معادلات .. وإنما لها جوانب فلسفية .
وحتى المعادلات الرياضية .. يقول أينشتين أنها انبعثت في ذهنه نتيجة شطحاته التي حاول فيها أن يتصور الكون على صورة جديدة ..
وأمام هذه الشطحات الفلسفية سوف نقف قليلًا .. تاركين المعادلات الرياضية لأربابها من القادرين عليها، محاولين أن نشرح بعض ما أراد ذلك العالِم العظيم أن يقوله، على قدر الإمكان، إمكان فهمنا .
وسوف نبدأ من البداية .. من قبل أينشتين .. من السؤال الذي بدأنا به المقال :
هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا .. وهل الحقول خضراء .. وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل .. والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ؟
وهل الزجاج شفاف .. والجدران صمّاء ؟
# # # # #
لا ..
ليست هذه هي الحقيقة ..
هذا ما نراه .. وما نحسه بالفعل .. ولكنه ليس كل الحقيقة ..
فالنور الأبيض الذي نراه أبيض .. إذا مررناه خلال منشور زجاجي .. يتحلل إلى سبعة ألوان .. هي ألوان الطيف المعروفة .. الأصفر والبرتقالي والأحمر والأخضر والأزرق والبنفسجي .. إلخ .
فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان، لم نجد أنها ألوان .. وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها ..
ذبذبات متفاوتة في ترددها .. وهذه كل الحكاية .. ولكن عيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج .. ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات .. وانما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة ..
ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان ..
ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانًا .. وإنما هي محض موجات واهتزازات .. والمخ بلغته الإصطلاحية .. لكي يميزها عن بعضها .. يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن تصورات .. وهذه هي حكاية الألوان ..
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء .. وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل عيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ "أخضر" ..
وبالمثل .. أي لون .. ليس له لون .. وإنما هو مؤثِر يفرقه المخ عن غيره بهذه الطريقة الاصطلاحية .. بأن يلونه .. ويتضح هذا الخلط أكثر حينما ننتقل إلى المثل الثاني .. العســل ..
فالعسل في فمنا حلو .. ونحن نتلذذ به ونلحسه لحسًا ونمصمصه بلساننا .. ولكن دودة المش لها رأي مختلف تمامًا في العسل .. بدليل أنها لا تقربه ولا تذوقه بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهامًا وتبيض وتفقس وتعشش فيه .
الحلاوة إذًا لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية في العسل .. وإنما هي صفة نسبية نِسبةً إلى أعضاء التذوق في لساننا .. إنها ترجمتنا الإصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تُحدِثها ذرات العسل فينا ..
وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسيّة في حيوان آخر طعمًا مختلفًا هو بالمرارة أشبه ..
♦ فإذا جئنا للسؤال الثالث لنسأل أنفسنا .. هل الماء سائل .. وهل الجليد صلب .. فإن المشكلة تتضح أكثر ..
فالماء والبخار والجليد .. مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائي ( اتحاد الأيدروجين بالأوكسجين 1:2 ) .. وما بينها من اختلاف ليس اختلافًا في حقيقتها وإنما هو اختلافًا في كيفيتها ..
فحينما نضع الماء على النار فإننا نعطيه حرارة .. أو بمعنى آخر طاقة .. فتزداد حركة جزيئاته وبالتالي تتفرق وتتفركش نتيجة اندفاعها الشديد في كل اتجاه ويكون نتيجة هذه الفركشة عند لحظة معينة أن تتفكك تمامًا وتتحول إلى جزيئات سابحة بعيدة عن بعضها (غاز) .. فإذا فقدت هذه الحرارة الكامنة التي أخذتها عن طريق النار حتى تصل في لحظة إلى درجة من التقارب نترجمها بحواسنا على أنها (صلابة) .
الحالة الغازية والسائلة والصلبة هي ظواهر كيفية لحقيقة واحدة .. هي درجة تقارب الجزيئات من بعضها البعض لمادة واحدة هي الماء ..
وشفافية الماء وعتامة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها .
ولا يعني هذا أن جزيئات الثلج متلاصقة .. وإنما هي متباعدة هي الأخرى ولكن بدرجة أقل .
وجزيئات كل المواد حتى الحديد مخلخلة ومنفصلة عن بعضها .. بل إن الجزئ نفسه مؤلف من ذرات منفصلة .. والذرّة مؤلفة من بروتونات وإلكترونات هي الأخرى منفصلة ومخلخلة ومتباعدة تباعد الشمس عن كواكبها .
كل المواد الصُلبة عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرّات .. ولو أن حِسّنَا البصري مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال ..
ولو كنا نرى عن طريق أشعة إكس لا عن طريق النور العادي لرأينا بعضنا عبارة عن هياكل عظمية، لأن أشغة اكس تخترق المسافات الجزيئية في اللحم .. وتراه في شفافية الزجاج ..
♦ مرة أخرى ..
رؤيتنا العاجزة هي التي ترى الجدران صماء .. وهي ليست صمّاء .. بل هي مخلخلة أقصى درجات التخلخل .. ولكن وسائلنا المحدودة والأشعة التي نرى عن طريقها .. لا تنفد فيها، وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها ســدّ يقف في طريق رؤيتنا .
إنها جميعًا أحكام نسبية تلك التي نطلقها على الأشياء .. ( نسبة إلى حواسنا المحدودة ) وليست أحكامًا حقيقية ..
والعالَم الذي نراه ليس هو العالَم الحقيقي .. وإنما هو عالَم اصطلاحي بَحتْ .. نعيش فيه معتقَلين في الرموز التي يختلقها عقلنا .. ليدلنا على الأشياء التي لا يعرف لها ماهية أو كَنَهًا .
والرسّام التجريدي على حق حينما يحاول أن يعبر عما يراه .. على طريقته .. فهو يدرك بالفطرة أن ما يراه بعينه ليس هو كل الحقيقة، وبالتالي فهو ليس ملزِمًا له .. وفي إمكانه أن يتلَمّس الحقيقة .. لا بعينه .. وإنما بعقله .. وربما بعقله الباطن .. أو وجدانه .. أو روحه ..
وهو لا يكون مجنونـــًا .. وقد نكون نحن المجــانين .
ورجل العلم له وسائل أخرى غير رجل الفن ..
الفنان يبحث عن الحقيقة معتمدًا على وسائله .. عن طريق الإلهام .. والروح .. والوجدان .
ورجل العلم يلجأ إلى الحسابات والمعادلات .. والفروض النظرية .. التي يحاول أن يتثبت منها بتجارب عملية .
وأينشتين في مغامرته العقلية لم يكن يختلف كثيرًا عن الرسّام التجريدي في مغامرته الفنية .
ومعظم ما كتبه أينشتين في معادلاته كان في الحقيقة تجريدًا للواقع على شكل أرقام وحدود رياضية .. ومحاولة جادة من رجل العلم في أن يهزم العلاقات المألوفة للأشياء ويزيحها لتبدو من خلفها لمحات من الحقيقة المدهشة التي تتخفى في ثياب العادة والألفة ..
وماذا هناك في الواقع المحسوس المألوف ؟
إننا لا نرى الأشياء مشوهة عن أصلها فقط .. وإنما لا نراها إطلاقًا .. وأحيانًا يكون ما نراه لا وجود له بالمرة ..
فهناك غير ألوان الطيف السبعة .. أمواج أقصر من أن ندركها .. هي فوق البنفسجية .. وأمواج أخرى أطول من أن ندركها .. هي تحت الحمراء .. وتكون النتيجة ألا نراها مع أنها موجودة ويمكن إثباتها باللوح الفوتوغرافي الحساس .. وبالترمومتر ..
وعلى العكس نرى أحيانًا أشياء لا وجود لها ..
فبعض النجوم التي نراها بالتلسكوب في أعماق السماء تبعد عنا بمقدار 500 مليون سنة ضوئية .. أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى خمسمائة مليون سنة ليصل إلى عيوننا .. وبالتالي فالضوء الذي نلمحها به هو ضوء خرج منها منذ هذا العدد الهائل من السنين .. فنحن لا نراها في الحقيقة .. وإنما نرى ماضيها السحيق الموغَل في القِدَم ..
أما ماهيتها الآن .. فالله وحده يعلم .. وربما تكون قد انفجرت واختفت .. أو انطفأت .. أو ارتحلت بعيدًا في أطراف ذلك الخلاء الأبدي وخرجت من مجال الرؤية بكل وسائلها .. فحالها الآن لا يمكن أن يصلنا خبره إلا بعد مضي خمسمائة مليون سنة ..
إننا قد نكون محملقين في شيء يلمع دون أن يكون له وجود بالمرة .
إلى هذه الدرجة يبلغ عدم اليقين ..
وإلى هذه الدرجة يمكن أن تضللنا الحواس ..
ما دليلنا في هذا التِيه .. ؟!
وكيف نهتدي إلى الحقيقة في هذه الظلمات المطبقة ؟!
مقال / أينشتين والنظرية النسبية .
من كتاب : اينشتين والنسبيه.
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ لا شيء يبعث على الحيرة أكثر من هذه الكلمة المبهمة الغامضة .. الزمان .. !
ما هو الزمان .. ؟
هناك زمان نتداوله في معاملاتنا ونعبر عنه بالساعة واليوم والشهر .
وهناك زمان نفساني داخلي يشعر به كل منا في دخيلة نفسه ..
والزمان الخارجي الذي نتداوله زمان مشترَك .. نتحرك فيه كما يتحرك غيرنا .. نحن فيه مجرد حادثة من ملايين الحوادث .. ومرجعنا فيه تقويم خارجي .. أو نتيجة حائط .
أما الزمن الداخلي فهو زمن خاص .. لا يقبل القياس .. لأنه لا مرجع له سوى صاحبه .. وصاحبه يختلف في تقديره .. فهو يشعر به شعورًا غير متجانس .. لا توجد فيه لحظة تساوي اللحظة الأخرى ..
فهناك اللحظة المشرقة المليئة بالنشوة التي تحتوي على أقدار العمر كله ..
وهناك السنوات الطويلة الفارغة التي تمر رتيبة خاوية كأنها عدم .. وهو زمن متصل في ديمومة شعورية وكأنه حضور أبدي، الماضي فيه يوجد كذكرى في الحاضر .
والمستقبل يولد كتطلع وتشوف في الحاضر، اللحظة الحاضرة هي كل شيء .. ونحن ننتقل من لحظة حاضرة إلى لحظة حاضرة ..
ولا ننتقل من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل ..
نحن نعيش في حضور مستمر، نعيش شاخصين باستمرار إلى سيّال من الحوادث ينهال أمام حواسنا .. لا نعرف في هذا الزمن الداخلي سوى "الآن"، ننتقل من "الآن" إلى "الآن" ، ولا يبدو انقطاع النوم في هذه الآنات إلا كانقطاع وهمي ما يلبث أن تصله اليقظة .
هذا الزمن الذاتي النفسي ليس هو الزمن الذي يقصده أينشتين في نظريته النسبية ..
إنه زمن برجسون، وسارتر، وهيدجر، وكيركجراد وسائر الفلاسفة الوجوديين . ( وهم يسمونه الزمن الوجودي ) ولكنه ليس زمن أينشتين .
أما زمن أينشتين فهو الزمن الخارجي الموضوعي .. الزمن الذي نشترك فيه كأحداث ضمن الأحداث اللانهائية التي تجري في الكون .. الزمن الذي نتحرك بداخله .. وتتحرك الشمس بداخله .. وتتحرك كافة النجوم والكواكب .
وهو زمن له معادل موضوعي في نور النهار .. وانحراف الظل .. وظلمة الليل .. وحركات النجوم .. وهو الزمن الذي نتفاهم من خلاله ونأخذ المواعيد ونرتبط بالعقود ونتعهد بالالتزامات .
** ** **
ماذا يقول أينشتين في هذا الزمان .. ؟
إنه يتناوله في نظريته النسبية بنفس الطريقة التي يتناول بها المكان .
المكان المطلق في النظرية النسبية لا وجود له .. إنه لا أكثر من تجريد ذهني خادع ..
المكان الحقيقي هو مقدار متغير يدل على وضع جسم بالنسبة لآخر .. ولأن الأجسام كلها متحركة فالمكان يصبح مرتبطًا بالزمان بالضرورة .. وفي تحديد وضع أي جسم يلزم أن نقول إنه موجود في المكان كذا في الوقت كذا .. لأنه في حركة دائمة .
وبهذا ينقلنا أينشتين في نظريته إلى الزمان ليشرح هذه الرابطة الوثيقة بين الزمان والمكان .. فيقول أنه حتى الزمان بالتعبير الدارج عبارة عن تعبير عن انتقالات رمزية في المكان ..
الزمن المعروف باليوم والشهر والسنة ما هو إلا مصطلحات ترمز إلى دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس .. أو بشكل آخر " مصطلحات لأوضاع مختلفة في المكان " .
الساعة هي دورة الأرض 15 درجة حول نفسها ..
واليوم هو دورة كاملة ..
والسنة هي التفافها الكامل حول الشمس ..
حتى الساعة التي نحملها في معصمنا عبارة عن انتقالات في المكان ( انتقالات عقرب على ميناء دائري من رقم إلى رقم ) .
الزمان والمكان متصلان في حقيقة واحدة .
وينتقل بعد هذا إلى النقطة الثانية فيقول :
إن كل الساعات التي نستخدمها على الأرض مضبوطة على النظام الشمسي .. لكن النظام الشمسي ليس هو النظام الوحيد في الكون ..
فلا يمكن أن نفرض تقويمها الزمني على الكون، ونعتبر الكميات التي نقيس بها كميات مطلقة منزلة .
فالإنسان الذي يسكن عطارد مثلًا .. سوف يجد للزمن دلالات مختلفة، إذ أن عطارد يدور حول نفسه في 88 يومًا .. وهو في هذه المدة نفسها يكون قد دار أيضًا حول الشمس ..
ومعنى هذا أن طول اليوم العطاردي يساوي طول السنة العطاردية .. وهو تقويم يختلف تمامًا عن تقويمنا .
وبذلك يكون الزمن مقدارًا لا معنى له إذا لم ينسب إلى النظام الذي اشتق منه .
ولا يمكن أن نفرض كلمة مثل "الآن" على الكون كله ..
فهي أولًا كلمة ذاتية نفسية .. وحتى إذا اقتصرنا على معناها الموضوعي وهو تواقت حدثين وحدوثهما معًا في ذات اللحظة .. فإن هذا التواقت لا يمكن أن يحدث بين أنظمة مختلفة لا اتصال بينها .
ويشرح أينشتين هذه النقطة وهي من أعمق تطبيقات النسبية وأكثرها غموضًا .. فيقول :
إن متكلمًا من نيويورك يمكن أن يخاطب في التليفون متكلمًا آخر في لندن .. ويكون الأول يتحدث في ساعة الغروب بينما الآخر في منتصف الليل ..
ومع ذلك يمكن لنا أن نجزم بتواقت الحدثين وحدوثهما معًا في ذات اللحظة .. والسبب أن الحدثين يحدثان معًا على أرض واحدة خاضعة لتقويم واحد هو التقويم الشمسي .. ومن الممكن استنباط فروق التوقيت ورد هذه الآنية ( الحدوث في آن واحد ) إلى مرجعها .. وهو النظام الواحد ..
أما القول بأنه من الممكن أن يحدث على الأرض .. وعلى كوكبه الجبار مثلًا .. أو الشعرى اليمانية .. أحداث متواقتة في آن واحد .. فهو أمر مستحيل .. لأنها أنظمة مختلفة لا اتصال بينها .. والاتصال الوحيد وهو الضوء يأخذ آلاف السنين لينتقل من واحد من هذه الأنظمة إلى الآخر ..
ونحن حينما نرى أحد هذه النجوم ويخيل إلينا أننا نراه "الآن" نحن في الحقيقة نراه عن طريق الضوء الذي ارتحل عنه منذ ألوف السنين ليصلنا ..
نحن في الواقع نرى ماضيه ويخيل إلينا أننا حاضره .. وقد يكون في الحاضر قد انفجر واختفى أو ارتحل بعيدًا خارج نطاق رؤيتنا .. وما نراه في الواقع إشارة إلى ماضٍ لم يعد له وجود بالمرة .
لابد أولًا لكي نجزم "بالآنيّة" من أن نعرف العلاقات بين الحوادث والمجاميع الكونية .. ونعرف نسبية كل مقدار موجود في إحدى المجاميع إلى المقادير الموجودة في المجاميع الأخرى .. ولابد من وجود وسيلة اتصال حاسمة تنقلنا عبر الأبعاد الفلكية الشاسعة .
ولكن للأسف أسرع وسيلة مواصلات كونية إلى الآن هي الضوء .. وسرعته 186284 ميلا في الثانية .. وهذه السرعة تمثل حدود معلوماتنا، والسقف الذي تنتهي عنده المعادلات والرياضيات النسبية الممكنة .
ويعود أينشتين فيشرح هذا الكلام بتجربة خيالية ..
إنه يتصور شخصًا جالسًا على رصيف محطة في منتصف مسافة بين النقطتين ا ، ب على شريط سكة حديد يجري عليه قطار .. ويتخيل أن ضربتين من البرق حدثتا في نفس الوقت وأنهما سقطتا على القضيب عند ( ا ) وعند ( ب ) . وأن الشخص الجالس على الرصيف يراقب العملية مزودًا بمرايا جانبية عاكسة سوف يرى ضربتي البرق في وقت واحد فعلًا .
فإذا حدث وجاء قطار سريع متجهًا من ( ب ) إلى ( ا ) وكان على القطار شخص آخر مزودًا بمرايا عاكسة ليلاحظ ما يجري .. فهل يلاحظ أن ضربتي البرق حدثتا في وقت واحد في اللحظة التي يصبح فيها محاذيًا للملاحِظ على الرصيف . . ؟
وليقرب أينشتين المثَل إلى الذهن يفترض أن القطار يسير بسرعة الضوء فعلًا 186284 ميلًا في الثانية .. ومعنى هذا أن ضربة البرق ( ب ) التي تركها خلفه لن تلحق به لأنه يسير بنفس سرعة موجة الضوء .. وهو لهذا لن يرى إلا ضربة البرق ( ا ) .
فلو كانت سرعة القطار أقل من سرعة الضوء .. فإن ضربة البرق ( ب ) سوف تلحق بعده متأخرة .. بينما سيشاهد ضربة البرق ( ا ) قبلها .. وبذلك لن يرى الحدثين متواقتين .. في آن واحد .. بينما يراهما الملاحِظ على الرصيف متواقتين في آن واحد .
وبهذا التناقض يشرح لنا أعمق ما في نظريته .. ما يسميه " نسبية الوقت الواحد " .. وكيف أن الإنسان لا يستطيع أن يطلق كلمة "الآن" على الكون .. وإنما يمكن أن يطلقها على نظامه الزمني .. لأن كل مجموعة من الأجسام لها زمنها الخاص ومرجعها الخاص ..
فإذا حدث وكانت هناك مجموعتان متحركتان .. كما في تجربة الملاحظ المتحرك على القطار .. والملاحظ الواقف على الرصيف .. فإننا نقع في التناقض إذا حاولنا المساواة بين الاثنين .
والنتيجة الهامة التي يخرج بها أينشتين من هذه التجربة .. أن الزمن مقدار متغير في الكون .. وأنه لا يوجد زمن واحد للكون كله ممتد من مبدأ الوجود والخليقة إلى الآن .. وإنما يوجد عديد من الأزمان .. كلها مقادير متغيرة لا يمكن نسبتها إلى بعضها إلا بالرجوع إلى أنظمتها واكتشاف علاقة حوادثها بعضها بالبعض وتحقيق الاتصال بينها . وهذا مستحيل .. لسبب بسيط ..
أن أسرع المواصلات الكونية وهي الضوء .. لا تستطيع أن تحقق تواقتًا بين أطرافه ..
والنتيجة الثانية التي يخرج بها .. أنه بما أن سرعة الضوء هي الثابت الكوني الوحيد .. فينبغي تعديل الكميات التي نعبِّر بها عن الزمان والمكان في كل معادلاتنا لتتفق مع هذه الحقيقة الأساسية ..
ومن الآن فصاعدًا يصبح الزمان مقدارًا متغيرًا .. والمكان مقدارًا متغيرًا .
وهذا يلقي بنا إلى نتائج مدهشة ..
..
مقال / الزمان
من كتاب / أينشتين والنسبيه
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝