موسى عليه السَّلام والخِضر روى مسلم والبخاريُّ في... 💬 أقوال أدهم شرقاوي 📖 كتاب مع النبى

- 📖 من ❞ كتاب مع النبى ❝ أدهم شرقاوي 📖

█ موسى عليه السَّلام والخِضر روى مسلم والبخاريُّ صحيحهما أنّ رسول الله صلى وسلم قال : أنّ قام خطيبا بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال : أنا فعتبَ إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى إليه إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلمُ منك قال أيّ ربّ فكيف به ؟ قال تأخذ معكَ حوتًا مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمَّ وأخذ فجعله مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوتُ المكتل فخرج منه فسقط البحر " فاتخذ سبيله سربًا " فلما استيقظ نسيَ صاحبُه أن يخبره بالحوت فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما حتى كان من الغد لفتاه : " آتنا غداءنا لقد لقينا سفرنا هذا نصبًا " قال له أرأيت أوينا إلى فإني نسيت وما أنسانيه إلا الشيطان أذكره واتخذ عجبًا موسى: ذلك ما كنا نبغي فارتدا آثارهما قصصًا فرجعا يقصان حتى انتهيا فإذا رجل مسجى بثوب فسلَّمَ موسى فقال: وأنى بأرضك السّلام ؟ قال أنا فقال إسرائيل نعم أتيتكَ لتعلمني مما عُلمت رشدًا يا إني علم كتاب مع النبى مجاناً PDF اونلاين 2024 الحِكايةُ أدبٌ جميل كانتْ حضرة نبيّ ؟! والإصغاءُ لها ماتعٌ راويها سيّدُ الأولين والآخرين هُنا حَكايا لا تُشبه الحَكايا لأنّ يُشبه الرّواة ! الذي ضلَّ غوَى نطقَ يوماً عن هوَى علّمه شديدُ القُوَى فجاءنا بحديثٍ إنْ وحيٌ يُوحَى

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
❞ موسى عليه السَّلام والخِضر



روى مسلم والبخاريُّ في صحيحهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

أنّ موسى قام خطيبا في بني إسرائيل

فسئل أي الناس أعلم

فقال : أنا

فعتبَ الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه

فأوحى الله إليه إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلمُ منك

قال موسى : أيّ ربّ فكيف لي به ؟

قال : تأخذ معكَ حوتًا في مكتل

فحيثما فقدت الحوت فهو ثمَّ

وأخذ حوتًا فجعله في مكتل , ثم انطلق

وانطلق معه فتاه يوشع بن نون

حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما

واضطرب الحوتُ في المكتل , فخرج منه

فسقط في البحر , " فاتخذ سبيله في البحر سربًا "

فلما استيقظ , نسيَ صاحبُه أن يخبره بالحوت

فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما

حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه :

" آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا "

قال له فتاه :

" أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبًا "

قال له موسى: " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصًا "

فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة

فإذا رجل مسجى بثوب , فسلَّمَ عليه موسى

فقال: وأنى بأرضك السّلام ؟

قال : أنا موسى

فقال له : موسى بني إسرائيل ؟

قال : نعم أتيتكَ لتعلمني مما عُلمت رشدًا

قال : يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه , وأنتَ على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه

قال : هل أتبعك ؟

قال : " إنك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا "

قال موسى : " ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا "

فقال له الخضر : " فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا "

فانطلقا يمشيان على ساحل البحر , فمرّتْ بهما سفينة

فكلموهم أن يحملوهم , فعرفوا الخضر , فحملوهم من غير نول/ أُجرة

فلما ركبا السفينة قلع الخضر لوحًا بالقدّوم

فقال له موسى : ما صنعت؟ قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها

" لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرًا "

قال : " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا "

قال : " لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا "

فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين

قال له الخضر : يا موسى ما نقصَ علمي وعلمك من علم الله

إلا مثل ما نقصَ هذا العصفور بمنقاره من البحر !

فلما خرجا من البحر , مرُّوا بغلام يلعب مع الصبيان

فأخذ الخضر رأسه فقلعه بيده , فقتله

فقال له موسى : " أقتلت نفسًا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرًا "

قال: " ألمْ أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا "

قال : " إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا "

" فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض "

مائل , فقام الخضر وأقامه بيده

فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا عمدتَ إلى حائطهم

" لو شئت لاتخذت عليه أجرًا "

قال : "هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا "

وقرأ صلى الله عليه وسلم الآيات حتى بلغ :

" ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا "

ثم قال : يرحم الله موسى لو كان صبر لقصَّ الله علينا من أمرهما.



الدَّرْسُ الأوّل :

تقودنا القصة إلى أن نسأل : من هو الخِضر ؟

الخِضر شخصيّة ثابتة بنصِّ القرآن والحديث , الإيمان بها واجب

وكثرت الأحاديث والأقاويل والآراء فيه

وكل ما ورد في هذا كذب وافتراء ولا يصح فيه شيء

يقول ابن القيم ناقلًا إجماع أهل السنة في الخضر :

" الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب , ولا يصح في حياته حديث واحد " !

فحديث أنّ النبيّ كان في المسجد فسمع كلامًا وراءه

فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر , مكذوب

وحديث يلتقي الخضر وإلياس كل عام مكذوب

وحديث يجتمع في عرفة كل عام جبريل وميكائيل والخضر , مكذوب أيضًا

لا نعلم إلا أنه رجل صالح أتاه الله علمًا كثيرًا

فلا يُعرف عن نسبه ومولده شيء صحيح إطلاقًا

وكل ما يُروى في هذا الباب رجم بالغيب وقول بلا علم

بل إنه يقترب إلى الخوارق التي تُخالف النقل والعقل

فقال بعضهم : هو ابن آدم لصلبه

وقال بعضهم : هو ابن قابيل بن آدم

وقال آخرون : هو ابن شيث

وقال بعضهم : إنه من بلاد فارس

وكلّ هذا لا يصح منه شيء كما تقدم

وهو علم لا ينفع وجهل لا يضُر

ولو احتجنا لهذا العلم لأخبرنا به الله أو رسوله

وغالى البعض فيه حتى قالوا هو حيُّ يُرزق حتى اليوم

وأنه يبقى حيًا حتى يشهد قتل الدجال

وسُئل البخاريّ عن الخضر وإلياس وهل هما أحياء

فقال : لا يكون هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدًا " !

وقال ابن الجوزي: والدليل على أن الخضر ليس حيًا أربعة أشياء

القرآن , والسنة , وإجماع المحققين , والعقل !

ومن الأمور العقلية التي تُكذب بقاءه حيًا

أنهم قالوا هو ابن آدم عليه السلام لصلبه

فهو إذاً على زعمهم عمره آلاف الأعوام وهذا محال

وقالوا ابن آدم وقد كان وزيرًا لذي القرنين

وهذا محال لأنه وجب أن يكون كأبيه جسمًا , ستون ذراعًا في السماء

وذو القرنين كان رجلاً عاديًا بعدما تناقص الخلق كما في الحديث

فسيكون هذا أمر شاذ ومستغرب عمرًا وجسمًا

وأيضًا لو كان قبل نوح عليه السلام

لركب السفينة معه وليس في هذا خبر صحيح ولا مكذوب

ثم إنّ كل الذين ركبوا ماتوا , ولم تبقَ إلا ذرية نوح

بنص الآية: " وجعلنا ذريته هم الباقون "

كذلك لو صح إنه ابن آدم وأنه يعيش لآخر الدهر

لكانت هذه آية عظيمة من آيات الله , ولوجدنا لها ذكرًا في القرآن أو حديث

وأخيرًا لو كان حيًا كما يزعمون

فانظر لحال الأمة اليوم , فيها القتل والتشريد والشريعة معطلة

أليس حضوره وجهاده وإقامته للشريعة أفضل من هيامه في البراري والصحارى ؟!

إذًا هو رجل من بني آدم مثلنا وليس من صلبه

ولد ولادة عادية ولا شيء يثبت عكس ذلك

وكان مولده قريبًا من عهد موسى

وإن عاش بعد موسى فقد عاش كما يعيش الناس العاديون

عمرًا عاديًا ثم مات



الدَّرْسُ الثّاني :

تواضعْ !

نحن نميلُ دومًا لتعظيم أنفسنا

أو بمعنى أدقّ : نرى أنفسنا الأمهر في مجالها

قلما تجد طبيبًا لا يرى أنه الأمهر

وقلما تجد شاعرًا لا يرى أنه الأشعر

وقلما تجد معلمًا لا يرى أنه الأقدر

وهكذا المهندس والميكانيكي والكهربائي والمرأة التي تطهو في البيت !

احترام الذات وتقديرها شيء

والاعتقاد بأننا لا يُشق لنا غبار شيء آخر

إن كان موسى عليه السلام وهو كليم الله

وأحد أولي العزم من الرسل الخمسة الكرام وكلهم كريم

وعلمه وحي لا يحتمل الخطأ

يعاتبه ربّه أنه لما سُئل من أعلم أهل الأرض

قال : أنا

حتمًا هناك أعلم منك في مجالك

ولنقل أنتَ تفْضُل الناس في أشياء وهم يفْضُلونك في أشياء

وهذا في علمك واختصاصك

فما بالك في علمِ غيرك واختصاصه

رجل كل شيء هو رجل لا شيء !

وما من إنسان إلا ويعرف ويجهل

وقد قال ربنا : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "

ومحال أن يكون إنسان من أهل الذكر في كلّ شيء

نبوغك اللغوي لا يعني أن تُطبب الناس

تفوقك في الهندسة لا يعني أنك مفتي

براعتك في كهرباء المنازل لا يعني أنك ميكانيكي

احترم علم الآخرين مهما كان بسيطًا بعينك

ربما لو اجتمع الأطباء كلهم لعجزوا عن إصلاح حنفية تقطر ماء

تمامًا كما لو اجتمع مهندسو العالم لعجزوا عن إجراء عملية جراحية

إنّ من كمال الله أنه استغنى عن خلقه

ومن عظمته أنه أحوجَ النَّاسَ إلى النَّاسِ !



الدَّرْسُ الثّالث :

سياق القصّة يقودنا إلى سؤال مهم هو :

من أفضل : موسى عليه السّلام أم الخضر ؟!

والجواب بلا ريب أن موسى عليه السلام أفضل

فمقام النبوة لا يعدله مقام آخر

إلا أن يكون نبيًا مثله وقد فضَّله ربُّه

فنبيِّنا أفضل الخلق جميعًا

يأتي بعده إبراهيم عليه السلام

ثم إن الله أعلم بمرتبة الثلاثة المتبعين من الخمسة أولي العزم

فلماذا يكون الخضر أعلم من موسى ؟

لأن الأعلم ليس الأفضل

فالأمور لا تُحسب في مجال واحد وإنما تؤخذ جملة

ولتبسيط الأمر نضرب الأمر بالصحابة رضوان الله عليهم جميعًا

أبي بن كعب أقرأ من عمر لكتاب الله ولكن عمر أفضل

وخالد بن الوليد أعلم من أبي بكر في الحرب ولكن أبا بكر أفضل

ومعاذ بن جبل أعلم من عثمان بالحلال والحرام ولكن عثمان أفضل

وقد يفضل أحد الصحابة عليًا في أمر ولكن علي بالمجمل أفضل

وهذا كذاك !

الخضر أعلم من موسى عليه السلام في أشياء علّمه الله إياها

ولكن موسى عليه السلام أفضل من الخضر جملة لمقام نبوته

وموسى الذي عُوتب لأنه قال أنه أعلم أهل الأرض

لم يأمره ربه أن يذهب ليتعلم من الخضر

وإنما طلب موسى عليه السلام هذا الأمر بنفسه

إنه تواضع العظماء وقد كان موسى عليه السلام عظيمًا

فلا تتحرج في أن تتعلم ممن هو دونك

واقتدِ بموسى عليه السلام وما أحلاه من قدوة

قال فيه ربه آياتٍ يُغبط عليها لقيام الساعة

قال له : " واصطنعتك لنفسي "

وقال له : " ولتصنع على عيني "

وقال له : " وألقيتُ عليكَ محبة مني "

وقال له : " وأنا اخترتك "

ولكن هذا المختار من قبل الله

الملقاة عليه محبته , والمصنوع على عينيه , والمُصطفى لنفسه

لم يشعر أنها إهانة أن يتعلم

إن النبلاء يتواضعون , فكن نبيلًا !



الدَّرْسُ الرَّابع :

قُرِنَ العلم بالمشقة

فإذا كان رغيف خبز لا يُجنى بالسَّاهل

فمن باب أولى أن لا يُجنى العلم بالسَّاهل

ارتحل البخاريُّ من بلدٍ إلى بلدٍ طلبًا لحديث واحد

وصلى الشافعي الفجر بوضوء العشاء

لأنه أمضى ليلته يبحثُ عن جواب لمسألة

وما كان لموسى عليه السلام أن تقعده المشقة عن طلب العلم فارتحل

لا سيارات تطوي المسافات الطوال في ساعات

ولا طائرات تقطع البلدان برمشة عين

لا مكتبات فيها آلاف المراجع , خُذ من هنا وهناك وكُنْ باحثًا !

لا مكينات تصوير إن أردتَ العلم فانسخَ واكتبْ بيدكَ

يقطعُ موسى عليه السلام الفيافي والقفار

إن مُرَّ العلم ساعة

ولكن مُرّ الجهل طول العمر

ومن أَنِف مُرّ ساعةٍ تجرَّع مُر عُمر !



الدَّرْسُ الخامس :

قال الخضر لموسى عليه السلام أمرًا هامًا يجب الالتفات إليه :

إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنتَ

وأنتَ على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه !

والعلم قسمان :

الأول : علم لدنيّ يُعلّمه الله من شاء من خلقه

الثاني : علم مكتسب يُحصّله الإنسان بجهده وبحثه وصبره بعد توفيق الله

وإن كان لا سبيل إلى الأول

فإن السبيل مُشرع إلى الثاني !

ولقد قال سيدنا : إنما العلم بالتّعلم !

وكل ما في الحياة كذلك !

بعضه يهبه الله من دون سبب

وبعضه لا يتحقق إلا بالأسباب الواقعة في قدر الله

والعاقل يأخذ بالأسباب كأنها السبيل الوحيد إلى الغايات

وبالمقابل لا ينسَ أن الغايات بيد الله

إن شاء أن لا يحققها رغم الأسباب فعل !

إن كان الله شفى أيوب عليه السلام بغير طبيب

فلا يعني أن لا نذهب إلى الأطباء

وإن كان الله رزق مريم ابنًا من غير زوج

فلا يعني أن الأولاد يأتون دون زواج

وإن كان الله حفظ يونس في بطن الحوت

فلا يعني أن بطون الحيتان أماكن آمنة

وإن كان الله شقّ لموسى البحر بعصاه

فلا يعني أن العصيّ تشق البحار

هذا يعني أنّ كل شيء بقدر الله

ولكن الله جعل لهذا الكون قوانين

لا بدّ من التعامل معها بجدية وطريقة عملية بعيدًا عن أي اعتبار آخر

ولو استغنى أحد عن الأخذ بالأسباب

لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أغنى الناس عنها

ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزهدْ فيها

وانظرْ إليه وهو في طريق هجرته

فأولاً : اتخذ له رفيقًا

وثانيًا : اتخذ له دليلًا

وثالثًا : اتخذ من يحضر له الزاد

ورابعًا : اتخذ من يمحوا آثاره عن الرمال

وخامسًا : اتخذ طريقًا غير معتاد

فلقد أراد أن يُعلمنا أن نكون واقعيين وعمليين.



الدَّرْسُ السَّادس :

يبتلي الله تعالى بالصغيرة لينجي من الكبيرة

وإن الابتلاءات تحمل في طياتها رحمة ولكن الناس لا يعلمون !

إما رحمة عاجلة لصلاح الدنيا

أو رحمة مؤجلة لصلاح الآخرة

فلو أبقى الخضر على السفينة صالحة كما هي لأخذها الملك غصبًا

فأيهما أكثر شرًا أن تُثقب السفينة

ويشقى أهلها قليلًا في جرها إلى الشاطئ وإصلاحها , أم خسارتها كلها ؟

لا شك أن بعض الشر أهون من بعض ولكن الناس لا يعلمون !

ومات أهل السفينة ولم يعلموا أن هذا الشر هو خير

ولولا خبر القرآن ما علمنا نحن أيضًا

لو كانت الحياة تضعنا في خيار بين الخير والشرّ لكانت هينة

لكنها غالبًا ما تضعنا في خيار بين شر وآخر

والعاقل هو الذي اختار خير الشَّرين

وقد قال عمر بن الخطاب : ليس العاقل من عرف الخير من الشر

وإنما من عرف خير الشرين

خُذ دومًا بأقل الأضرار وأقل الخسائر

إتلاف البعض للحفاظ على الكل

ألا ترى الأطباء يُسقطون الجنين للحفاظ على الأم

ويبترون يدًا أو قدمًا للحفاظ على الجسم

الخيارات أحيانًا تكون مؤلمة ولكن فينا عقل لنختار !

الصبر على إهانات العمل خير من البطالة

ولا أدعو لتحمل الإهانات إنما للصبر ريثما يتحصل البديل

وأحيانًا صبر زوجة على زوجها رغم سوء أخلاق

هو الأفضل لها ولأولادها

لأنها ستكون بين خيارين أحلاهما مرّ

والعاقل من يختار الأقل مرارة

وقد يكون صبر زوج على زوجته خير من طلاقها

لأن الحل الذي نأخذه في مشكلة

قد يفتح مشكلة أكبر من الأولى التي اخترنا لها حلاً !

وأما الابتلاء لإصلاح الآخرة

فهو ما حدث في قتل الغلام

ثمة أشياء لا يفهمها الناس لأنهم لا يحيطون بها علماً

من أين للأبوين المؤمنين أن يعرفا أن ابنهما هذا

لو كبر فإنه سيكون كافراً ويفتنهما في دينهما

فاختار الله لهما خير الشَّرين

فلا شكّ أن فقدان الولد أقل شرًا من الكفر

ولا شك كذلك أنه إن ابتلى فقد ألهمَ الصبر

حين يأخذ منك شيئًا فأنت لا تعرف الحكمة

ولكن كن على ثقة ليس كل ما تراه شرًا هو كذلك فعلًا

وليس كل ما تراه خيرًا هو كذلك فعلًا

والخيرة فيما اختاره الله !



الدَّرْسُ السَّابع :

إذا خفت على مستقبل أولادك بعدك

فلا تفتح لهم حسابًا في البنك , ولا تجمع لهم ميراثًا ضخمًا

وإن كان هذا أمر حسن

ولكن أمّن عليهم عند الله , وكن صالحًا !

فإن من لم يترك إلا الميراث فقد ترك الأولاد للأسباب

ومن ترك التقوى فقد ترك الأولاد لربِّ الأسباب

ولا شك أن الأسباب تذهب ويبقى الله

وانظر لثمرة التقوى عند الله

عبد صالح من عباد الله لا نعلمه نحن

ولا يعلمه موسى عليه السلام والخضر كذلك

ولكن الله يعلمه , وكفى له شرفًا

هذا المجهول في الأرض , المعروف في السماء

أرسل الله نبيًا من أولي العزم من الرسل وعبدًا صالحًا

ليقيما جدارًا تحته كنز لأولاده

أبعد هذا التأمين على الحياة تأمين ؟!

دخل مقاتل بن سليمان على المنصور يوم بُويع بالخلافة

فقال له المنصور : عِظني يا سليمان

فقال : أعظك بما رأيتُ أم بما سمعتُ ؟

فقال : بل بما رأيتَ

فقال : يا أمير المؤمنين , إن عمر بن عبد العزيز

أنجب أحد عشر ولدًا وترك ثمانية عشر دينارًا

كُفّن بخمسة دنانير , واشترى له قبر بأربعة دنانير

ووزّع الباقي على أبنائه

وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدًا

وكان نصيب كل ولد ألف ألف دينار

واللهِ يا أمير المؤمنين لقد رأيتُ في يوم واحد

أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمئة فرس للجهاد في سبيل الله

وأحد أبناء هشام يتسوّل في الأسواق !



الدَّرْسُ الثَّامن :

تُعلمنا هذه القصة الأدب مع الله

وما أحوجنا لأن نتعلم هذا في زمن كثر فيه التسخط والتشكي

وكل ما فعله الخضر إنما كان بأمر من الله كما تبين

ولكنه كان أديبًا وهو يخبر عن الله

فجعل القدر الذي ظاهره شر منسوب إلى نفسه

والقدر الذي هو خير منسوب إلى الله سبحانه وتعالى

وها هو يخبر موسى عليه السلام بما كان منه فيقول :

" أما السفينة فكانت لغلامين يتيمين في المدينة فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا "

فأردتُ أن أعيبها !

ما أحلاه من أدب , وما أعذبه من تأدب

كان ينفذ أمر الله بالحرف ولكنه نسب الضرر لنفسه

وكذلك كان أديبًا في كلامه عن قتل الغلام :

" أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه زكاة وأقرب رحمًا "

هنا أشرك نفسه بضمير الجميع " أردنا "

وذلك أنه من أدبه مع الله قسم العمل بينه وبين الله

في هذا الفعل " قتل " و " رحمة "

فهو المنوط بفعل القتل رغم أنه وحيّ

والله المختص بالرحمة

وكذلك كان أديبًا في كلامه عن الجدار :

" وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما "

" أراد ربك "

نسب الفعل كلّه لله , ذلك أن الفعل هنا خير كله

خير من إكرام العبد الصالح بابنيه , وخير من حفظ الكنز إليهما

والأدب مع الله كثير في القرآن الكريم لا يتسع له المقام

ونضرب أمثلة خفيفة منه فالكلام يجر بعضه بعضًا

يقول الله تعالى لعيسى ابن مريم :

" أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " !

كان يكفي أن يقول عيسى عليه السَّلام : لا

وهو جواب حسن للسؤال ويفي بالمراد

ولكن هذا ليس أدب الأنبياء مع الله

وإنما قال : " إن كنتُ قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك سبحانك إنك أنت علام الغيوب "

وكان إبراهيم عليه السلام أديبًا مع الله كذلك يوم قال :

" الذي خلقني فهو يهدين , والذي هو يطعمني ويسقين , وإذا مرضتُ فهو يشفين "

إنّ المرض بيد الله وهو المبتلي به

ولكن إبراهيم المؤدب مع ربه نسب المرض إلى نفسه

فقال : وإذا مرضتُ

ونسب الشفاء لله , فقال : " فهو يشفين "

فنسب كل خير لله , الخلق والهداية والإطعام والسقاية

ولكن لأن المرض في ظاهره شر نسبه لنفسه

وكذلك أيوب عليه السلام كان مؤدبًا مع الله :

" إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "

فلم يقل ربي سلطت عليّ المرض

رغم أنه يعرف أن ما نزل به من بلاء من الله

بل قال : مسني الضر , هكذا وكأن الضر جاء وحده

فأدبًا مع الله لم ينسب الشقاء له

حتى أنه لم يطلب الشفاء صراحة

مع أنه لو طلبه ما كان في الأمر شيء

وإنما قال : وأنت أرحم الراحمين

إنه أدب الطلب الذي يأخذ شكل الثناء والتنزيه

وكذلك كان آدم عليه السلام مؤدبًا مع الله فقال :

" ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "

رغم أنه مرّ معنا في حوار آدم وموسى عليهما السلام

أن آدم قد حجّ موسى وبأن ما حدث أمر قد كتبه الله

ولكن قارن بين كلام آدم مع عبد مثله

وبين كلامه مع ربه

ففي الأول يُدافع عن نفسه , يتحدث عن مشيئة الله

وفي الثاني ينسب الظلم لنفسه مع أنه قدر الله قبل خلقه

حتى الجن كانوا في غاية الأدب مع الله فقالوا :

" وإنا لا ندري أشرّ أريدَ بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدًا "

إنّ الشرّ يقع بقدر الله وعلمه

ولكنهم عندما تحدثوا عن الشرّ جاؤوا بالفعل المبني للمجهول " أُريدَ "

وعندما تحدثوا عن الخير والرشد والهداية

نسبوا ذلك إلى الله صراحة "أراد بهم ربهم رشدًا"



من كتاب / مع النبيّ

للكاتب /ادهم شرقاوي. ❝