حوار مع صديقي الملحد هل الدين افيون ..؟ قال لي صاحبي... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب حوار مع صديقي الملحد

- 📖 من ❞ كتاب حوار مع صديقي الملحد ❝ مصطفى محمود 📖

█ حوار مع صديقي الملحد الدين افيون ؟ قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه : وما رايك الذين يقولون !! وانه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا ظلمهم وفقرهم ويحلموا بالجنة والحور العين في حين يثبت الاغنياء غناهم باعتبار انه حق وان الله خلق الناس درجات ؟ وما لم ينزل من عند وانما هو طلع الارض الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة طبقة ؟ وهو يشير بذلك الماديين وافكارهم قلت : ليس ابعد الخطأ القائل بان فالدين حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات وليس تخفيفاً وتحللاً وبالتالي ليس مهرباً المسئوليات وليس افيوناً وديننا عمل كسل ( وقل اعملوا فسيرى عملكم ) ونحن نقول بالتوكل التواكل والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع وبذل غاية الطاقة والحيلة ثم التسليم بعد ذلك لقضاء وحكمه فاذا عزمت فتوكل ) العزم اولاً والنبي يقول لمن اراد يترك ناقته سائبة توكلاً حفظ ( اعقلها وتوكل ) أي ابذل وسعك اولا فثبتها عقالها ثم توكل والدين صحو وانتباه ويقظة ومحاسبة للنفس ومراقبة للضمير كل فعل وفي كلمة وكل خاطر هذا حال اكل الافيون كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024 رد أسئله لملحدين الإسلامي رائع بالدلائل والأمثله يجيب عن تساؤلات عقلنا فترة نمر بها ويرد الآخرين صديقى رجل يحب الجدل ويهوى الكلام يعتقد أننا أنفسنا المؤمنون السذج نقتات بالاوهام ونضحك والحوار وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها وصديقى بهذه المناسبة تخرج فرنسا وحصل دكتوراه وعاش الهيبيز تاريخ آخر ينكر لا تقل كعادتك أنا مخيـَّر فليس هناك فرية أكبر هذه الفرية ودعني أسألك هل خُـيّرتُ ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟ هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة لماذا يُكرهني يؤاخذني عليه ؟ وإذا قلت إنك حر وإن لك مشيئة إلى جوار ألا تشرك بهذا وتقع القول بتعدد المشيئات ؟ ثم ما قولك حكم البيئة والظروف الحتميات التي الماديون التاريخيون ؟ أطلق الرصاصات راح يتنفس الصعداء راحة وقد تصوَّر أني توفيت وانتهيت ولم يبق أمامه استحضار الكفن قلت له هدوء أنت واقع عدة مغالطات فأفعالك معلومة كتابه ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه إنها مقدَّرة علمه فقط كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني يحدث بالفعل فهل أكرهته أو كان تقديراً العلم أصاب علمك أما كلامك الحرية بأنها وتدليلك بأنك تخيَّر ميلادك ولا جنسك طولك لونك موطنك وأنك لا تملك نقل مكانها تخليط وسبب التخليط المرة أنك تتصوَّر بالطريقة غير تلك نتصورها نحن المؤمنين أنت تتكلم حرية مطلقة فتقول أكنت أستطيع أخلق نفسي أبيض أسود طويلا قصيراً بإمكاني أنقل أوقفها مدارها أين حريتي ؟ ونحن : تسأل التصرف الكون وهذه ملك لله وحده أيضاً { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } 68 سورة القصص ليس لأحد الخيرة مسألة الخلق لأن الذي يخلق يشاء ويختار ولن يحاسبك قِصَرك ولن يعاتبك يعاقبك لأنك توقف ولكن مجال المساءلة التكليف وأنت المجال هي الحدود نتكلم فيها تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة أنت تستطيع تجود بمالك ونفسك تصدق وأن تكذب وتستطيع تكف يدك المال الحرام بصرك عورات تمسك لسانك السباب والغيبة والنميمة في أحرار وفي نُحاسَب ونُسأل الحرية يدور حولها البحث النسبية وليست المطلقة الإنسان التكليف وهذه حقيقة ودليلنا عليها شعورنا الفطري داخلنا فنحن نشعر بالمسئولية وبالندم وبالراحة للعمل الطيب ونحن لحظة نختار ونوازن بين احتمالات متعددة بل إن وظيفة الأولى الترجيح والاختيار البديلات ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم يدنا وهي ترتعش بالحمى ويدنا تكتب خطاباً فنقول حركة جبرية قهرية والحركة الثانية حرة اختيارية ولو كنا مسيرين الحالتين لما استطعنا التفرقة ويؤكد به استحالة إكراه القلب شيء يرضاه تحت أي ضغط فيمكنك تُكره امرأة بالتهديد والضرب تخلع ثيابها ولكنك بأي تهديد تجعلها تحبك قلبها ومعنى أعتق قلوبنا صنوف الإكراه والإجبار وأنه فطرها ولهذا جعل والنية عمدة الأحكام فالمؤمن ينطق بعبارة الشرك والكفر التهديد والتعذيب يحاسب طالما قلبه الداخل مطمئن بالإيمان استثناه المؤاخذة قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ٌ} 106 النحل والوجه الآخر الخلط المسألة بعض يفهم علو المشيئة وانفراد بالأمر فيتهم القائلين بالحرية بأنهم أشركوا بالله وجعلوا أنداداً يأمرون كأمره ويحكمون كحكمه وهذا فهمته فقلت فهم خاطئ فالحرية الإنسانية تعلو الإلهية إن قد يفعل بحريته ينافي الرضا الإلهي ولكنه يستطيع الله أعطانا نعلو رضاه "فنعصيه" يعط أحداً يعلو مشيئته وهنا وجه وجوه نسبية وكل منا داخل وضمنها خالف وجانب الشريعة وحريتنا ذاتها كانت منحة إلهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره نأخذها منه كرهاً غصباً إن حريتنا عين ومن هنا معنى الآية {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن اللَّهُ 30 الإنسان لأن مشيئتنا ضمن ومنحة كرمه وفضله فهي إرادته ثنائية تناقض منافسة لأمر والقول المعنى التوحيد يجعل يحكمون ويأمرون فإن حرياتنا أمره ومشيئته والوجه الثالث للخلط تناولوا والقدر والتسيير والتخيير فهموا بأنه للإنسان طبعه وطبيعته خطأ وقعت فيه نفى نفسه بآيات صريحة {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 4 الشعراء والمعنى أنه الممكن نُكره الإيمان بالآيات الملزمة ولكننا نفعل لأنه سنتنا { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ 256 البقرة { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ 99 يونس ليس سُنة والقضاء يصح يُفهم للناس طبائعهم وإنما العكس يقضي إنسان جنس نيته ويشاء ويريد تسيير تخيير العبد يسيِّر امرئ هوى وعلى مقتضى نياته يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ حَرْثِهِ وَمَن الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا 20 الشورى { قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً 10 البقرة { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى 17 محمد وهو يخاطب الأسرى القرآن إِن يَعْلَمِ قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ 70 الأنفال الله ويقدِّر ويجري قضاءه وقدره النية والقلب شراً فشر خيراً فخير ومعنى التسيير التخيير الله يسيِّرنا اخترناه بقلوبنا ونياتنا ظلم جبر قهر طبائعنا { فَأَمَّا أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ لِلْعُسْرَى 5 الليل { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى الأنفال هنا تلتقي رمية والرمية المقدَّرة الرب فتكون واحدة مفتاح لغز التمكين فخير فشر والحرية مقداراً ثابتاً قدرة قابلة للزيادة الإنسان يزيد حريته بالعلم باختراع الوسائل والأدوات والمواصلات استطاع يطوي الأرض ويهزم المسافات ويخترق قيود الزمان والمكان وبدراسة قوانين يتحكم ويسخرها لخدمته وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام وبذلك يضاعف حرياته الفعل العلم وسيلة كسر القيود والأغلال وإطلاق أما الوسيلة فكانت الاستمداد بالتقرب والأخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد الأنبياء ومن دربهم سخّر سليمان الجن وركب الريح وكلّم الطير بمعونة ومدده وشق موسى البحر وأحيا المسيح الموتى ومشى الماء وأبرأ الأكمه والأبرص والأعمى ونقرأ الأولياء أصحاب الكرامات تُطوى لهم وتكشف المغيبات وهي اكتسبوها بالاجتهاد العبادة والتقرب والتحبب إليه فأفاض عليهم المكنون إنه مرة أخرى ولكنه "اللدني" ولهذا يُلخص أبو حامد الغزالي مشكلة المخيَّر والمسيَّر قائلاً كلمتين الإنسان مخيَّر فيما يعلم مسيَّر وهو يعني كلما اتسع سواء المقصود الموضوعي اللدنِّي ويخطئ المفكرون أشد حينما يتصورون أسير التاريخية والطبقية ويجعلون حلقة سلسلة الحلقات فكاك مهرب الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع كأنما قشة تيار بلا ذراعين وبلا إرادة والكلمة يرددونها يتعبون ترديدها وكأنها قانون "حتمية الصراع الطبقي" خاطئة التحليل العلمي حتميات الإنساني الأكثر ترجيحات واحتمالات الفرق وبين التروس والآلات والأجسام المادية فيمكن التنبوء بخسوف بالدقيقة والثانية ويمكن التنبؤ بحركاتها المستقبلة مدى أيام وسنين أما يمكن أحد ماذا يُضمر وماذا يُخبئ غداً غد معرفة سبيل الاحتمال والترجيح والتخمين وذلك فرض توفر المعلومات الكافية للحكم وقد أخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس فلم تبدأ الشيوعية بلد متقدم تنبأ متخلف يتفاقم الرأسمالية والشيوعية تقارب الاثنان حالة التعايش السلمي وأكثر فتحت البلاد أبوابها لرأس الأمريكي تتصاعد التناقضات الرأسمالي الإفلاس توقعه ازدهر ووقع الشقاق والخلاف أطراف المعسكر الاشتراكي ذاته أخطأت حسابات جميعها دالة منهجه الحتمي ورأينا صراع العصر يحرك التاريخ اللاطبقي الصين وروسيا الطبقي جعله عنوان وكلها شواهد فشل الفكر المادي والتاريخ وتخبطه حساب المستقبل وجاء نتيجة جوهري ذبابة شبكة ونسي تماماً أنّ أمّا كلام والمجتمع يعيش تتحرك فراغ نقول ردّاً كمقاومات للحرية الفردية إنما يؤكد الجدلي لهذه ينفيه تؤكد ّ مقاومة تزحزحها أما إذا يتحرك فراغ نوع فإنه يكون حراً بالمعنى المفهوم لن تكون عقبة يتغلب ويؤكد خلالها

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
❞ حوار مع صديقي الملحد

هل الدين افيون ..؟



قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه :

وما رايك في الذين يقولون ان الدين افيون ...!!

وانه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا على ظلمهم وفقرهم ويحلموا بالجنة والحور العين ..

في حين يثبت الاغنياء على غناهم باعتبار انه حق ..

وان الله خلق الناس درجات ...؟.

وما رايك في الذين يقولون ان الدين لم ينزل من عند الله ..

وانما هو طلع من الارض من الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة ..؟

وهو يشير بذلك الى الماديين وافكارهم ..

قلت :

ليس ابعد من الخطأ القائل بان الدين افيون .. فالدين في حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات ..

وليس تخفيفاً وتحللاً .. وبالتالي ليس مهرباً من المسئوليات وليس افيوناً ..

وديننا عمل وليس كسل ..

( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم )

ونحن نقول بالتوكل وليس التواكل ..

والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع ..



وبذل غاية الطاقة والحيلة .

ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحكمه .

( فاذا عزمت فتوكل على الله )

العزم اولاً ..

والنبي يقول لمن اراد ان يترك ناقته سائبة توكلاً على حفظ الله ( اعقلها وتوكل )



أي ابذل وسعك اولا فثبتها في عقالها ثم توكل ..

والدين صحو وانتباه ويقظة . ومحاسبة للنفس ومراقبة للضمير ..

في كل فعل وفي كل كلمة وكل خاطر . وليس هذا حال اكل الافيون .

انما اكل الافيون الحقيقي هو المادي الذي ينكر الدين هرباً من تبعاته ومسئولياته .

ويتصور ان لحظته ملكه . وانه لاحسيب ولا رقيب ولا بعث بعد الموت ..

فيفعل ما يخطر على باله . وأين هذا الرجل من المتدين المسلم الذي يعتبر نفسه مسئولاً عن سابع جار ..

واذا جاع فرد في امته او ضربت دابة عاتب نفسه بانه لم يقم بواجب الدين في عنقه ..

وليس صحيحاً ان ديننا خرج من الارض .. من الظروف والدواعي الاجتماعية ..

ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة وتثبيتاً لغنى الاغنياء وفقر الفقراء ..

والعكس هو الصحيح ...

فالاسلام جاء ثورة على الاغنياء والكانزين المال والمستغلين الظالمين ..

فامر صراحة بالا يكون المال دولة بين الاغنياء يحتكرونه ويتداولونه بينهم ..

وانما يكون حقاً للكل ..

( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم )

والانفاق يبدا من زكاة اجبارية ( 2 , 5 ) في المائة ..

ثم يتصاعد اختيارياً الى كل ما في الجيب وكل ما في اليد .

فلا تبقي لنفسك الا خبزك .. كفافك ..

( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )

والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والحاجة ..

وبهذا جمع الاسلام بين التكليف الجبري القانوني والتكليف الاختياري القائم على الضمير ..

وهذا اكرم للانسان من نزع املاكه بالقهر والمصادرة ..

ووصل إلى الانفاق إلى ما فوق التسعين في المائة بدون ارهاق ..

ولم يأت الاسلام ليثبت ظلم الظالمين . بل جاء ثورة صريحة على كل الظالمين .

وجاء سيفاً وحربا على رقاب الطواغين والمستبدين ..

اما التهمة التي يسوقها الماديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل الايات ..

( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق )



( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )

فنحن نرد بان هذه الايات تنطبق على لندن وباريس وبرلين وموسكو ..

بمثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة ..

واذا مشينا في شوارع موسكو فسوف نجد من يسير على رجليه ..

ومن يركب بسكليت . ومن يركب عربة موسكوفتش ..

ومن يركب عربة زيم فاخرة ..

وماذا يكون هذا الا التفاضل في الرزق بعينه والدرجات والرتب الاقتصادية ..

والتفاوت بين الناس حقيقة جوهرية ..

ولم تستطع الشيوعية ان تلغي التفاوت ..

ولم يقل حتى غلاة المادية والفوضوية بالمساواة ..

والمساواة غير ممكنة فكيف نساوي بين غير متساويين ..

الناس يولدون من لحظة الميلاد غير متساوين في الذكاء والقوة والجمال والمواهب ..

يولدون درجات في كل شيء ..

واقصى ما طمعت فيه المذاهب الاقتصادية هي المساواة في الفرص وليس المساواة بين الناس ..

ان يلقى كل واحد نفس الفرصة في التعليم والعلاج والحد الادنى للمعيشة ..

وهو نفس ما تحض عليه الاديان ..

اما الغاء الدرجات والغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والامر الذي ينافي الطبيعة ..

والطبيعة تقوم كلها على اساس التفاضل والتفاوت والتنوع في ثمار الارض وفي البهائم وفي الناس ..

في القطن نجد طويل التيلة . وقصير التيلة ..

وفي الحيوان والانسان نجد الرتب والدرجات والتفاوت اكثر ..

هذا هو قانون الوجود كله .. التفاضل ..

وحكمة هذا القانون واضحة . فلو كان جميع الناس يولدون بخلقة واحدة وقالب واحد ونسخة واحدة ..

لما كان هناك داع لميلادهم اصلا .

وكان يكفي ان نأتي بنسخة واحدة فتغني عن الكل ..

وكذلك الحال في كل شيء ..

ولانتهي الامر إلى فقر الطبيعة وافلاسها ..

وانما غنى الطبيعة وخصبها لايظهر الا بالتنوع في ثمارها وغلاتها والتفاوت في الوانها واصنافها ..

ومع ذلك فالدين لم يسكت على هذا التفاوت بين الاغنياء والفقراء ..

بل امر بتصحيح الاوضاع وجعل للفقير نصيباً من مال الغني .

وقال ان هذا التفاوت فتنة وامتحان ..

( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون )

سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته .

هل ينجد بها الضعفاء او يضرب ويقتل ويكون جباراً في الارض ...؟

وسوف نرى ماذا يفعل الغني بغناه ..

هل يسرف ويطغى ..؟ او يعطف ويحسن ..؟

وسوف نرى ماذا يفعل الفقير بفقره ..

هل يحسد ويحقد ويسرق ويختلس ..

او يعمل ويكد ويجتهد ليرفع مستوى معيشته بالشرع والعدل ..

وقد امر الدين بالعدل وتصحيح الاوضاع بالمساواة بين الفرص ..

وهدد بعذاب الاخرة وقال ان الاخرة ستكون ايضاً درجات اكثر تفاوتاً لتصحيح ما لم يجر تصحيحه في الارض .

(( وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا ))

وللذين يتهمون الإسلام بالرجعية السياسية نقول إن الإسلام أتى بأكثر الشرائع تقدمية في نظم الحكم .

احترام الفرد في الإسلام بلغ الذروة .. وسبق ميثاق حقوق الإنسان وتفوق عليه .. فماذا يساوي الفرد الواحد في الإسلام إنه يساوي الإنسانية كلها .

( من قتل نفا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) .

لا تغني المنجزات ولا الإصلاحات المادية ولا التعمير ولا السدود ولا المصانع .. إذا قتل الحاكم فردا واحدا ظلما في سبيل هذا الإصلاح , فإنه يكون قد قتل الناس جميعا.

ذروة في احترام الفرد لم يصل إليها مذهب سياسي قديم أو جديد .. فالفرد في الإسلام له قيمة مطلقة بينما في كل المذاهب السياسية له قيمة نسبية .. والفرد في الإسلام آمن في بيته .. وفي أسراره " لا تجسس ولا غيبة " آمن في ماله ورزقه وملكيته وحريته .

كل شيء حتى التحية حتى إفساح المجلس حتى الكلمة الطيبة لها مكان في القرآن .

وقد نهى القرآن عن التجبر والطغيان والإنفراد بالحكم .

وقال الله للنبي " وهو من هو في كماله وصلاحيته " .

( وما أنت عليهم بجبار ) .

( فذكر إنما أنت مذكر .. لست عليهم بمسيطر ) .

( إنما المؤمنون إخوة ) .

ونهى عن عبادة الحاكم وتأليه العظيم :

( لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .

( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) .

ونهى عن الغوغائية وتملق الدهماء والسوقة والجري وراء الأغلبية المضللة وقال أن :

( بل أكثر الناس لا يعلمون ) .

( بل أكثرهم لا يعقلون ) .

( أكثر الناس لا يؤمنون ) .

( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) . " يكذبون "

( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) .

ونهى عن العنصرية والعرقية :

( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .

( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) .

وبالمعنى العلمي كان الإسلام تركيبا جدليا جامعا بين مادية اليهودية وروحانية المسيحية , بين العدل الصارم الجاف الذي يقول : السن بالسن والعين بالعين . وبين المحبة والتسامح المتطرف الذي يقول : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر .

وجاء القرآن وسطا بين التوراة التي حرفت حتى أصبحت كتابا ماديا ليس فيه حرف واحد عن الآخرة , وبين الإنجيل الذي مال إلى رهبانية تامة , ونادى القرآن بناموس الرحمة الجامع بين العدل والمحبة فقال بشرعية الدفاع عن النفس ولكنه فضل العفو والصفح والمغفرة .

( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) .

وإذا كانت الرأسمالية أطلقت للفرد حرية الكسب إلى درجة استغلال الآخرين .. وإذا كانت الشيوعية سحقت هذه الحرية تماما .. فإن الإسلام قدم الحل الوسط .

( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) .

الفرد حر في الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثمرة أرباحه كلها .. وإنما له فيها نصيب .. وللفقير نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من 2.5 في المائة إلى 90% جبرا واختيارا .. وهذا النصيب ليس تصدقا وتفضلا وإنما هو حق الله في الربح .. وبهذه المعادلة الجميلة حفظ الإسلام للفرد حريته وللفقير حقه .

ولهذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة الإسلام قائلا :

( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .



فقد اختار الإسلام الوسط العدل في كل شيء .

وهو ليس الوسط الحسابي وإنما الوسط الجدلي أو التركيب الذي يجمع النقيضين " اليمين واليسار " ويتجاوزهما ويزيد عليهما .. ولذلك ليس في الإسلام يمين ويسار وإنما فيه " صراط " الاعتدال الوسط الذي نسميه الصراط المستقيم من خارج عنه باليمين أو اليسار فقد انحرف .

ولم يقيدنا القرآن بدستور سياسي محدد أو منهج مفصل للحكم لعلم الله بأن الظروف تتغير بما يقتضي الاجتهاد في وضع دساتير متغيرة في الأزمنة المتغيرة , وحتى يكون الباب مفتوحا أمام المسلمين للأخذ والعطاء من المعارف المتاحة في كل عصر دون انغلاق على دستور بعينه .

ولهذا اكتفى القرآن بهذه التوصيات السياسية العامة السالفة كخصائص للحكم الأمثل .. ولم يكبلنا بنظرية وهذا سر من أسرار إعجازه وتفوقه وليس فقرا ولا نقصا فيه .

وتلك لمسة أخرى من تقديمة القرآن التي سبقت كل التقديمات .

ونرد على القائلين بأن الدين جمود وتحجر .. بأن الإسلام لم يكن أبدا دين تجمد وتحجر وإنما كان دائما وأبدا دين نظر وفكر وتطوير وتغيير بدليل آياته الصريحة .

( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) .

( فلينظر الإنسان مم خلق .. خلق من ماء دافق .. يخرج من بين الصلب والترائب )

( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى

لأرض كيف سطحت ) .

أوامر صريحة بالنظر في خلق الإنسان وفي خلق الحيوان وفي خلق الجبال وفي طبقات الأرض وفي السماء وأفلاكها .. والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأجنة .

أوامر صريحة بالسير في الأرض وجمع الشواهد واستنباط الأحكام والقوانين ومعرفة كيف بدأ الخلق .. وهو ما نعرفه الآن بعلوم التطور .

ولا خوف من الخطأ .

فالإسلام يكافئ الذي يجتهد ويخطئ بأجر والذي يجتهد ويصيب بأجرين .

وليس صحيحا ما يقال من أننا تخلفنا بالدين وتقدم الغرب بالإلحاد .. والحق أننا تخلفنا حينما هجرنا أوامر ديننا .

وحينما كان المسلمون يأتمرون بهذه الآيات حقا كان هناك تقدم وكانت هناك دولة من المحيط إلى الخليج وعلماء مثل ابن سينا في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن الهيثم في الرياضيات وابن النفيس في التشريح وجابر بن حيان في الكيمياء .

وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا .. وما زالت مجمعات النجوم وأبراجها تحتفظ إلى الآن بأسمائها العربية في المعاجم الأوروبية .. وما زالوا يسمون جهاز التقطير بالفرنسية imbique ومنه الفعل من كلمة أمبيق العربية . imbiquer ولم يتقدم الغرب بالإلحاد بل بالعلم .

وإنما وقع الخلط مما حدث في العصور الوسطى من طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش وحجرها على العلم والعلماء وما حدث من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو .

حينما حكمت الكنيسة وانحرف بها البابوات عن أهدافها النبيلة فكانت عنصر تأخر .. فتصور النقاد السطحيون أن هذا ينسحب أيضا على الإسلام وهو خطأ .. فالإسلام ليس بابوية ولا كهنوت ..

الله لم يقم بينه وبين المسلمين أوصياء ولا وسطاء .

وحينما حكم الإسلام بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما يقول التاريخ مكذبا هذه المزاعم السطحية .

وآيات القرآن الصريحة تحض على العلم وتأمر بالعلم ولا تقيم بين العلم والدين أي تناقض :

( وقل رب زدني علما ) .

( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .

( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) .

جعل الله الملائكة وأولي العلم في الآية مقترنين بشرف اسمه ونسبته .

وأول آية في القران وأول كلمة كانت " اقرأ " والعلماء في القرآن موعودون بأرفع الدرجات :

( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .

وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته في القرآن نحوا من ثمانمائة وخمسين مرة .

فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بين الدين والعلم أو حجر من الدين على العلم .

والنظر في الدين وتطوير فهمه مطلوب , وتاريخ الإسلام كله حركات إحياء وتطوير .. والقرآن بريء من تهمة التحجير على الناس وكل شيء في ديننا يقبل التطوير .. ما عدا جوهر العقيدة وصلب الشريعة .. لأن الله واحد ولن يتطور إلى اثنين أو ثلاثة .. هذا أمر مطلق .. وكذلك الشر شر والخير خير .. لن يصبح القتل فضيلة ولا السرقة حسنة ولا الكذب حلية يتحلى بها الصالحون .

وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والاجتهاد والإضافة والتطوير .

وجوهر الإسلام عقلاني منطقي يقبل الجدل والحوار ويحض على استخدام العقل والمنطق .

وفي أكثر من مكان وفي أكثر من صفحة في القرآن نعثر على التساؤل .. " أفلا يعقلون " .. " أفلا يفقهون " .

وأهل الدين عندنا هم " أولو الألباب " .

( شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) .

( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) .

احترام العقل في لب وصميم الديانة .

والإيجابية عصبها والثورة روحها .

لم يكن الإسلام أبدا خانعا ولا سلبيا .

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) .

( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .

والجهاد بالنفس والمال والأولاد .. والقتال والثبات وعدم النكوص على الأعقاب , ومواجهة اليأس والمصابة والمرابطة في صلب ديننا .

فكيف يمكن لدين بهذه المرونة والعقلانية والعلمية والإيجابية والثورة أن يتهم بالتحجر والجمود إلا من صديق عزيز مثل الدكتور القادم من فرنسا لا يعرف من أوليات دينه شيئا ولم يقرأ في قرآنه حرفا .



من كتاب : حوار مع صديقي الملحد

للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
1
0 تعليقاً 1 مشاركة
نتيجة البحث