❞❝
❞ في الساعة 10:20 مساءً...
استفاق آدم من غيبوبته على ألم يمزق صدره، حيث الوشم الذي وُشِم به، كان غارقًا في بِركة من الدماء والصراخ والظلام معًا، كل صراخ البائسين في هذه الدنيا الظالم أهلها تجمَّع في حلقه، فأطلقه دفعة واحدة، عل من به رحمة أو ما يزال محتفظًا بذرات من الإنسانية يسمع استغاثاته وينتفض لينقذه من جحيم سوداء، تأكل الأفئدة ببطء شديد، لكن صراخه لم يجلب إليه إلا الزبانية، فقد حضره الرجل العملاق المتشح بالسواد وفي يده سوط، كالذي رآه في يد أمه، له رأسان، لكن لونه كان مختلفًا، فقد كان أصفر فاقعًا مرقطًا ببعض البقع السوداء. رفع العملاق يده بالسوط عاليًا، ثم شد بأنفه العميق جرعة أكسجين طويلة، وراح يلوح بما في يده أمام عينَي آدم المذعورتين، رغم كل الألم الذي يشعر به الأخير وكل ما ألمَّ بجسده من عذاب، لم يستسلم بعد، ما زالت هناك فيه قوة خفية تحثه على المقاومة، على التمرد على كل شيء حوله وإن كان يعذب في قبره، لذا انتهزها فرصة وقبض على طرف السوط ذي الرأسين، محاولًا الحصول عليه بجذبه من العملاق بقوة، ولكن هيهات هيهات، فما قوته أمام قوة الأخير إلا كنسيرة لحم مطبوخ حُشرت بين فكَي أسد شرس.
شدَّه العملاق بعنف، لينكفئ تحت قدميه، وقد خارت قواه أو لنكون أدق وصفًا قد فرت هاربة تلك القوة الخفية، التي ظهرت فجأةً، لتتركه خرقة بالية أسفل قدمَي كتلة الظلام المتمثلة في هيئة رجل لم يتوانَ لحظة في دك رأس آدم في الرمال بضغطة قوية عليه، ثم تركه بعد ذلك، ليغوص في أعماق أوجاعه بحثًا عن ترياق يُسكِّن آلامه، أو يفقده وعيه لبضع ساعات، لربما يعثر بداخله على الخير، الذي نوه عنه الكائن المخيف حين ظهر له أول دخوله القبر، طالبًا منه البحث عنه، وقد تذكر في هذه اللحظة كلماته التي قالها له في بادئ الأمر: ˝في جوفي يختبئ خيرك، فاسرد قصتك عل بها ما يصيرني بشرًا مثلك، أؤنس وحشتك، ولا تختزل ربما كلمة واحدة تكمن خلفها نجاتك˝ . ❝
❞ سلبت الأبحاث عقلَ سهاد وأنستها النوم والراحة لتصل إلى هدفها نحو تشخيصِ أسرع وأدقّ لمَرضَى سرطان الكبد، بذلت كل ما استطاعت ليصبح هذا الحلم حقيقة، جمعت ثلاثة آلاف عينة من المرضى خلال سنوات، تكلفت المال والجهد لتقنع المرضى بسرية بياناتهم وحفاظها على خصوصيتهم لكن الأمور لم تَسِرْ بهذه السهولة، تطلّب منها الأمر عمل استمارة للموافقة على استخدام بيانات كل مريض وتوقيع المرضى عليها لتضمن عدم وجود أي عراقيل تعطّل مشروع عمرها، وإذا لم تفعل ذلك ما كان هناك مركز أبحاث سيقبل بالتعاون معها ناهيك عن منحها المنحة التي سعت إليها واستطاعت الحصول عليها مشاركة مع عاطف الذي آمن بمشروعها وشاركها حلمها، ولِمَ لا وهي من خطفت قلبه وروحه معًا منذ زمن، وأصبح هدفه سهاد قبل أي شيء فتفانى في عمله معها ليس من أجل مستقبله العلميّ فقط ولكن من أجل أن يرى نفسه بطلًا في عينيها، ينتظر كلماتها التي تحمّسه كأنه طفل صغير ينتظر يوم العيد، منذ عرفها لوّنت حياته وأيامه جعلته يرى الدنيا جنة. وكيف لا يهيم بها حبًّا وهي كلما عرفها ازداد انبهارًا بما تمتلكه من روح حالمة لا تهدأ ولا تكل، يتذكر بدايات تعارفهما عندما كانا لا يزالان في الجامعة وجمعهما نشاطٌ ثقافيٌّ . ❝